تحليل:أحمد يوسف التاي لم يعد خافيًا أن عناصر مصرية متنفذة بدأت تتحكم منذ استيلاء الجيش على السلطة في مصر وإطاحة الرئيس المنتخب د. محمد مرسي في شفرة الدعاية السوداء ل «جر» السودان إلى حلبة الصراع الدامي في مصر وتجريم «إخوان السودان ومصر» على حد سواء، ووضعهم في منطقة حرجة يسهل التقامهم أو استدراج الجانبين نحو الفخ الدولي المُعد سلفًا لابتلاع كل حركات الإسلام السياسي في البلاد العربية والإسلامية وذلك لتقليل المخاطر المحتملة على إسرائيل على المديين القريب والبعيد.. هذه الفرضية جر السودان إلى حلبة الصراع السياسي المصري تعززها جملة من المعطيات والمؤشرات وهناك كثير من قرائن الأحوال تشير إلى ذلك بوضوح تام.. لكن قبل الإشارة إلى تلك المؤشرات، لا بد أن نطرح سؤالاً جوهريًا وملحًا وهو: ما الذي دفع تلك الجهات إلى تجريم الخرطوم ووضعها في خانة الاتهام والدفع بها في أتون المعترك المصري منذ اليوم الأول للانقلاب على مرسي؟! في تقديري ووفقًا لبعض المعطيات أن الأمر يرجع لسببين: الأول: ربما محاولة استباقية لقطع الطريق أمام أي دعم محتمَل من الخرطوم لإخوان مصر أو إيوائهم، ولفت نظر العالم إلى هذه المخاوف التي تتوهمها «مصر البرادعي» حاليًا.. والسبب الثاني: ربما أن محاولة الخلاص من إخوان مصر بتلك الطريقة تمتد أيضًا للخلاص من «إخوان السودان» وإيجاد مبررات جديدة للتضييق عليهم بدعم معارضيهم، وإيوائهم لأن مصدر القلق لدى أولئك منبعه واحد وهو في مجمله هواجس تتصل ب «فوبيا» متجذِّرة لدى خصوم حركات الإسلام السياسي الذين يسعون إلى هدف واحد وهو الخلاص من هذه الحركات التي باتت تتطلع للحكم بل وتصل إليه عن طريق صناديق الاقتراع.. السودان في الصراع «المصري المصري»: حسنًا، نعود إلى فرضية جرّ السودان إلى حلبة الصراع السياسي المصري هذه الفرضية تعزِّزها جملة من المعطيات والمؤشرات وقرائن الأحوال نشير إلى بعضها على النحو التالي: أولاً: قبيل إجهاض الديمقراطية في مصر والإجهاز عليها بواسطة العسكر كانت «مطابخ» الشائعات في مصر تفوح منها روائح تأليب الشعب المصري على حكومة مرسي والحكومة السودانية، وذلك بالحديث عن اتجاه «الإخوان» لتسليم السودان مثلث حلايب المغتصَب. ثانيًا: بعد ساعات قليلة من ذبح الديمقراطية في مصر تردَّدت شائعة قوية ملأت الوسائط الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن هروب الرئيس محمد مرسي إلى السودان، ثم حديث عن ترتيبات لهذه العملية. ثالثًا: ترددت الشائعات بقوة حول منح الحكومة السودانية مرشد الإخوان المسلمين في مصر الدكتور محمد بديع لجواز سفر دبلوماسي سوداني، مما دفع «بديع» للإعلان عن نفسه والتأكيد على أنه موجود وسط مريديه وأنصار الرئيس مرسي بميدان رابعة العدوية. رابعًا: أما أحدث «التقليعات» فقد نسب موقع «المؤتمر نت» لما أسماه ب «خبير أمني يمني»، يدعى علي القرشي، أن سفناً تركية محمَّلة بالأسلحة، قد عبرت اليمن، وتم تهريبها إلى السُّودان، ومنه إلى مصر لزعزعة الأمن والاستقرار هناك، ولعلَّ في هذ ا الخبر المنشور على نطاق واسع إشارات واضحة، لتجريم الحزب الحاكم في تركيا، وتأليب المؤسسة العسكرية العلمانية عليه ومخاطبة غريزة الخوف لدى الغرب الذي ظل متوجسًا مما يسميه «الإسلام السياسي». السودان.. ترقب مشوب بالحذر: اتسم الموقف الرسمي في السودان إزاء الأحداث في مصر وتطوراتها حتى إطاحة مرسي بالتحفظ والترقب المشوب بالحذر ويظهر ذلك من خلال المواقف التي عبَّرت عنها بيانات رسمية من وزارة الخارجية والجيش حيث اعتبرت أن ما يجري في مصر شأن داخلي وتحاشت الخوض في أية تفصيلات أخرى في توصيف ما حدث، بعكس حكومات أخرى عبَّرت عن انحيازها لأحد الطرفين المتصارعين في مصر كتركيا التي وصفت خطوة الجيش المصري بأنها انقلاب على الديمقراطية، وقطر التي انحازت لتدابير الجيش المصري وخلع مرسي، والموقف الأمريكي الذي ساند الخطوة بصورة غير مباشرة حيث دعا إلى عودة الحكم المدني من خلال إجراء انتخابات جديدة، وبعض الدول العربية التي أيدت الانقلاب بشكل صارخ... بعكس ذلك كان الموقف الرسمي في السودان عبر ثلاثة بيانات اكتفت بدعوة الأطراف المصرية إلى حقن الدماء والحوار والحل السلمي... إذن ومن خلال قراءة البيانات الرسمية الصادرة عن مؤسسات الحكومة السودانية يبدو جليًا أن الخرطوم تحاشت إعلان أي موقف مساند لأي طرف ونأت بنفسها عمَّا يجري هناك مخافة أن يُحسب عليها ذلك خاصة أنها تُعد الأقرب ل «أخوان مصر»، باعتبار أن أي تصرف يُظهر دعمًا ظاهرًا من الخرطوم لمرسي سيعطي الفرصة لأعداء الطرفين ويعزز المخاوف الموجودة أصلاً ويبرر محاولات الضغط عليهما وتحجيم تمددهما. المشي في حقول الألغام: هذا الموقف الدبلوماسي الحذر الذي أظهرته الخرطوم «الرسمية» وحزبها الحاكم تجاه الشرعية المغتصبة في مصر تبناه الرئيس مرسي أيضًا بعد تسلمه السلطة تجاه السودان حيث بدا حذرًا من التعامل مع الحكومة السودانية وبدت العلاقة بين الخرطوم والقاهرة كأنها تشكو من بعض التصدعات، حيث انفتح مرسي على كثير من دول الإقليم والعالم وزار كثيرًا منها ولم يزر السودان الجار القريب قط منذ توليه السلطة، وآوى بعض الحركات المسلحة في دارفور في خطوة اختلفت حولها الآراء وتباينت ما بين احتواء هذه الحركات ووضعها تحت «الإبط» واستخدامها في مواجهة الخرطوم.. المهم أن مرسي أيام حكمه كان يبدو كما لو أنه غير راغب في أي تعاون مع «إخوانه في السودان» إذ بدا حذرًا في تعامله معهم ومتحفظًا كما الخرطوم اليوم إزاء خلع مرسي وتجريده بالقوة من السلطة والحكم، الأمر الذي يفرض بعض الأسئلة: هل كانت تلك إستراتيجية «تمكين» أراد من خلالها مرسي تطمين خصومه من «الليبراليين والفلول» الذين كانوا يشعرون بالقلق المستمر إزاء حكم الإسلاميين في السودان وإمكانية أن يصبح رافدًا لتغذية حكومة مرسي... وبالمقابل يمكن طرح السؤال: لماذا تحفظ الخرطوم الرسمية على هذا النحو الذي بدا، هل كان تحاشيًا لأي اتهامات وقطع الطريق على أية سيناريوهات محتملة؟. مواقف غير رسمية: إذا كانت الخرطوم الرسمية وحزبها الحاكم التزمت الصمت وبدت محايدة أكثر من غيرها من الدول، فإن الحركة الإسلامية السودانية التي تحب أن توصف بأنها قائدة الدولة والمجتمع فقد عبَّرت عن موقفها بصورة قوية وأكثر وضوحًا وتحملت «العبء» و«شالت وش القباحة» الذي تخفى منه المؤتمر الوطني والحكومة بقناع الدبلوماسية ربما لأسباب تتعلق بأن الحكومة لا تريد أن تجر البلد إلى حلبة الصراع المصري المصري خاصة أن الخرطوم الرسمية يبدو أنها قد تعلمت كثيرًا من التجارب السابقة و«الشطحات» التي كانت تصدر عن عناصر متحمِّسة قليلة الخبرة بالعمل الدبلوماسي الذي يتطلب من الدولة أن تخفي وجهها الحقيقي إذا كان ذلك يجلب مصلحة سياسية أو اقتصادية أو يدفع ضررًا لا سيما أن السودان قد دفع ثمن تلك «الشطحات»، لذلك فقد عبَّر بيان الحركة الإسلامية عن الموقف الحقيقي الذي ينبغي أن تكون عليه الحال وفعلت ذلك دونما تخفٍ بالعبارات حمَّالة الأوجه سيما وأن أمينها العام ليست لديه أي ارتباطات رسمية بالجهاز التنفيذي، كما أن الحركة الإسلامية شاركت بفاعلية مع التيارات الإسلامية في مظاهرة التنديد بانقلاب الجيش المصري على السلطة الشرعية. موقف الترابي: وإذا كانت القيود الدبلوماسية ولغة المصالح البراغماتية قد وضعت حجرًا كبيرًا في فم الحكومة وحزبها المؤتمر الوطني فإن هذه القيود قد تحرر منها حزب الترابي الذي مضى في نفس الاتجاه الذي مضت فيه الحركة الإسلامية السودانية التي خففت الضغط ورفعت الحرج عن الحكومة السودانية، إذ بدا الموقف داخل المؤتمر الشعبي تجاه « إخوانهم» في مصر مدافعًا ومنافحًا عن الشرعية التي ذبحها بيان الجيش المصري المدعوم بتوجهات العلمانيين والليبراليين وبقايا الحزب الوطني ممن اصطُلح على تسميتهم ب «الفلول» يفعل «الشعبي» ذلك لأنه خارج السلطة الآن ولو لم يكن كذلك لما كان موقفه واضحًا وحقيقيًا.