الراحل عمر نور الدائم... السياسة من باب «الفنجرة» تقرير:القسم ألسياسي وقف د. عمر نور الدائم بالبرلمان إبان الفترة الحزبية الأخيرة يتحدث عن إنجازات حكومته فقاطعه زعيم الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد وقال بسخرية «أوع تحسب الخريف كمان من إنجازات وزارتك» فانفجر البرلمان بالضحك بمن فيهم أعضاء حزب الأمة بينما اكتفى المرحوم عمر بالابتسام ثم واصل خطابه دون تعليق، ولعل رد الفعل من جانب د. عمر يكشف عن شخصيته المتسامحة غير المصادمة فهو لم يغضب ولم يحاول الرد انتصاراً لذاته خاصة فالنقد كان ساخراً وقوبل بعاصفة من الضحك من الحاضرين.وبالرغم من أن عمر نور الدائم نال قدراً عالياً من التعليم الأكاديمي لكنه تميَّز بالبساطة والعفوية في التعامل والحديث، فقد تخرج في جامعة الخرطوم هندسة الزراعة الآلية عام «1957» وحصل على درجة الدكتوراه من ذات التخصص بألمانيا الديمقراطية عام «1958 63» وعمل في العمل السياسي بحزب الأمة منذ فترة مبكرة من حياته وتمكن من دخول الجمعية التأسيية «البرلمان» 1965 عن دوائر الحزب لكنه ولج قبل ذلك الحياة العملية فقد عمل مساعد مفتش زراعي بمشروع تنمية الزراعة الآلية بمنطقة الدالي والمزمزم عام «57 58» ثم باشمهندس الزراعة الآلية لمشروع خشم القربة عام «63 64» المعتركات السياسية عندما وقع انقلاب مايو «1969» بقيادة جعفر نميري غادر د. عمر نور الدائم البلاد الى ليبيا حيث ساهم في تأسيس كيان معارض سُمِّي بالجبهة الوطنية والتي كانت لها فيما بعد معسكرات عسكرية في ليبيا وإثيوبيا وعُرف بالنشاط والحيوية في الحراك السياسي وكان من العناصر المخططة لانقلاب 1976 وقيل إنه من المفترض أن يأتي بطائرة مع الصادق المهدي بيد أن الانقلاب سرعان ما تم وأده وإعدام منفذيه، وعقب نجاح انتفاضة أبريل 1985 تولى مناصب وزارية في حكومة الائتلاف الحزبي كانت لحزب الأمة فيها مشاركة أوسع بحكم الأصوات الانتخابية التي حصل عليها حيث أسندت إليه وزارة الزراعة 1986 حتى 1988 ثم وزارة المالية حتى قيام الإنقاذ في العام 1989 وحزبياً كان عضو المكتب السياسي لحزب الأمة وأمين أمانات الحزب ثم انتُخب في أبريل «2002» نائباً لرئيس حزب الأمة لكنه أيضاً ولج البرلمان مرتين إبان فترة ما بعد حكومة ثورة أكتوبر «1964» وكان عضواً فيه في عام «65» والثانية كانت في «1967». صراحة وفنجرة تميَّز المرحوم عمر نور الدائم بالصراحة والوضوح والكرم وقيل إنه عندما يطلب منه أحد مالاً يُدخل يديه في جيبه مبتسماً ويقول للطالب «انت وحظك» ثم يخرج منه المال دون أن يعده وإذا كان د. عمر كريماً «فنجريًا» فإنه بذات هذه الخصلة كان يتعاطى السياسة دون رتوش وتزويق حتى إنه انتقد بصراحته الشديدة الأوضاع في حكومته في خطبة مشهودة وموثق جزء منها بالفيديو، ولعلها كانت في البرلمان حيث قال «بصراحة لا يعجبني الوضع الاقتصادي وهناك تردٍ شديد والإدارات ضعيفة» وربما هذا الحديث يؤكد أن الرجل لم يكن ظلاً للصادق المهدي كما ادّعى البعض، وقطعاً فإن ذلك الحديث لم يكن يعجب الصادق المهدي لكن بالطبع كان يعلم إخلاص د. عمر له والصداقة الحميمية التي تربطهما فضلاً على انتمائه القوي لحزب الأمة. كذلك تميز د. عمر بالتواصل الحميم مع معظم قوى الطيف السياسي وكان محبوباً لصدقه وعفويته، فكان يقول بحسب حديث في صحيفة الشرق الأسط «إن السياسة شيء والعمل العام شيء والتواصل بين الناس شيء آخر» وما كان يتردد في زيارة خصومه السياسيين وكانت تربطه صداقة قوية بقطب الإسلاميين المعروف أحمد عبد الرحمن. وفي حوار مع الأستاذ أحمد البلال في برنامج «في الواجهة» قال: «الأيام ديه نحن متفرغون لتقديم الفواتح والعزاء لأهلنا الأنصار وطبعاً ده ذاتو عمل سياسي لأنو السياسة في السودان ما بتنفصل عن الاجتماعيات» ثم قال ضاحكاً «والله أنا خايف في واحدة من المشاوير ديه نروح فيها» كما عُرف أيضاً د. عمر بالنزاهة وطهارة اليد وكان زاهدًا في المال حتى إنه قيل لم يكن يمتلك حساباً مصرفياً. فترة الإنقاذ عقب انقلاب الإنقاذ عام «1989» سافر في منتصف التسعينيات إلى لندن ثم أسمرا والقاهرة معارضاً ضمن التجمع الديمقراطي المعارض وعاد إلى البلاد في عام «2002» بعد توقيع حزب الأمة مع الحكومة اتفاقية جيبوتي وفي الفترة الأخيرة يقال إنه لم يعد متحمساً للعمل السياسي كما لم ينخرط في الخصومة مع منشقين من الحزب بقيادة مبارك المهدي بحسب ما ذكره أحد معارفه في إحدى المقالات الصحفية. دموع الصادق المهدي في اليوم السادس والعشرين من عام 2003 الموافق غرة رمضان فاضت روح د. عمر نور الدائم إثر تعرض سيارته لحادث مروري على إثر اصطدامها بعربة لوري كانت متوقفة على الطريق بالقرب من منطقة قرية الياقوت عندما كان قادماً من عزاء أحد أقطاب حزب الأمة وشارك في جثمانه العديد من القيادات الحزبية على اختلاف ألوانها السياسية، وقالت سارة الفاضل إنها لم ترَ دموع الصادق المهدي منذ أربعين عاماً إلا في جنازة د. عمر نور الدائم. إذا تحققت نبوءة الراحل عمر بأنه قد يموت في أحد تلك المشاوير الاجتماعية «والله خايف في واحدة نروح فيها»، لكن بالطبع فإن سيرة الرجل النقية ستظل كامنة ولا يمكن لأي مؤرخ منصف أن يتجاوزها.