نشر صموئيل هنتنجتون مقالته عن (صدام الحضارات) في مجلة (فورن أفيرز Foreign Affairs) التي يصدرها مجلس الشؤون الخارجية الأمريكي. وهي نفس المجلة التي انطلقت منها في منتصف الأربعينات الحرب الباردة ضد الشيوعيّة. بعد انهيار الشيوعية وانطواء صفحة الحرب الباردة، كان نشر مقالته هنتنجتون في نفس الإصدارة، إيذاناً بانطلاقة حرب باردة جديدة ضد الإسلام. ولم يكد ذلك العدد من مجلة Foreign Affairs يصدر، حتى كانت أفكاره تتردد في ردهات الكونجرس، وقد حُظيت بالتأييد والإعجاب على لسان (بات شرودر) عضو مجلس النواب عن ولاية كلورادو عن الحزب الديمقراطي. شرودر (الديمقراطية) في حرب الإسلام كانت حينها تسير جنباً إلى جنب (دان كويل) نائب الرئيس الجمهوري. وفي تزامن مع الكونجرس، كان الإحتفاء كبيراً بمقالة هنتنجتون في (ترسانات الأفكار) Think Tanks، وهي مؤسسات تمثل حلقة الإتصال بين الجامعات وصناع القرار السياسي. في (ترسانات الأفكار) كان (بريزنسكي) مستشار الأمن القومي، في عهد الرئيس (الديمقراطي) جيمي كارتر، والذي خطط لضرب إيران بقنبلة ذرية (صغيرة)، يتناول مقالة هنتنجتون بالشرح وتقديم الحواشي. إنطلقت في أمريكا الحرب الباردة الجديدة ضد الإسلام عام 1991م بالخطاب الذي ألقاه نائب الرئيس (دان كويل) في حفل تخريج دفعة من ضباط البحرية الأمريكية في كلية (وست بوينت) العسكرية. أما في الضفة الأخرى للمحيط الأطلنطي في أوربا، فقد اكتمل على ريثٍ الإعداد لإعلان انطلاقة الحرب الباردة الجديدة ضد الإسلام. ففي مطلع 1995م، خاطب (ويلي كلاي) الأمين العام لحلف الأطلنطي النخبة الأطلسيّة السياسية والأمنية، في مؤتمر عقد بألمانيا، حضره وزراء دفاع الدول الغربية. حيث خاطب (ويلي كلاي) المؤتمرين قائلاً (لقد سقطت الشيوعية وانتهت الحرب الباردة وجاء دور الإسلام). نقلت الصحافة البريطانية ذلك في حينه في تقارير بارزة. هكذا وضع حلف الأطلسى بصورة ميكانيكيَّة الإسلام عدواً جديداً بديلاً للشيوعية. في خطابه إلى النخبة الأطلسية السياسية والأمنية كان (ويلي كلاي)، الأمين العام لحلف الأطلسي، يعلن عن سياسات حلف الأطلنطي بحكم وظيفته، ولا يستطلع آراء أو يتشاور. هكذا في إطار التصريحات الرسمية لكبار المسؤولين الأمريكيين والأطلسيين، وخلال فترة توليهم مناصب قيادية رسمية، وفي تصريحات ألقيت في مناسبات رسمية بارزة، ونشرت في إصدارات مرموقة هي بمثابة (صالة عرض) لأفكار المؤسسة الأمريكية والأطلسيَّة الحاكمة، هكذا تمَّ تدشين انطلاقة الحرب الباردة الجديدة ضد العالم الإسلاميّ. في إطار ذلك (التصميم) السّياسيّ الدولي الجديد Design تمّ استهداف دول العالم الإسلامي من احتلال العراق وأفغانستان إلى تفجير الحرب الأهلية في الجزائر وتدمير وغزو لبنان واغتيال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وتدمير غزة وحصارها وإصدار مذكرة ضد رئيس السودان وتصعيد الحرب الأهلية في السودان، واحتلال مالي والصومال إلى الإنقلاب العسكري ضد الرئيس الإسلامي المنتخب ديمقراطياً في مصر. في إطار ذلك التصميم السياسي الدولي الجديد Design يأتي برنامج عسكرة القبائل السودانية واستدامة الحرب الأهلية في أرجاء السودان، وتأجيج الحرب الأهلية السودانية في النيل الأزرق وجنوب كردفان، وتفجير الحدود السودانية، انطلاقًا من جوبا، بين السودان ودولة الجنوب، وتجزئة السودان، وقيام (السودان الجديد) العنصري العلماني الوثني على أنقاض السودان الواحد العربي الإسلامي. يذكر أن مكتب منظمة التضامن المسيحي الأصولية في لندن برئاسة البارونة كوكس، يعمل بمثابة مركز ناشط ودار نشر وتوزيع لمقالة صموئيل هنتنجتون عن صدام الحضارات. حيث تمّ انتقاء السودان واختياره ليصبح ساحة حرب أهلية تثبت صحة نظرية (صدام الحضارات)، ساحة حرب أهلية تثبت استحالة التعايش بين الإسلام والمسيحية والعروبة والأفريقية. هكذا التقى الثلاثي غير المرح (كويل) و(هنتنجتون) و(كلاى Clay) في إعلان الحرب الجديدة ضد الإسلام، كما رسمها الإستراتيجيون بعناية. هكذا تستهدف الإستراتيجية الأمريكية الأطلسية هزيمة الإسلام، وركوب العالم الإسلامي (سفينة الصحراء الجديدة)، واحتكار قيادة العالم قرناً جديداً!.