في الوقت الذي يعلن فيه د. رياك مشار نائب رئيس دولة الجنوب، دعوته لأبناء منطقة أبيي من دينكا نقوك للذهاب إلى الإدارية للمشاركة في استفتاء حدد له موعد في أكتوبر المقبل من دون موافقة الخرطوم.. كان الأمير مختار بابو نمر ناظر المسيرية يستنكر تكاثف كتل الضباب التي تغطي الموقف الحكومي!! لو ظل الموقف قوياً وحاسماً من قبل الحكومة ومفاوضيها حول ملف أبيي وحازماً بشأن المقترح الذي قدمه منذ سبتمبر 2012م رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى ثامبو أمبيكي بإجراء الاستفتاء في أكتوبر المقبل لتحديد تبعية منطقة أبيي، لما تجرأ رياك مشار وخاطب في جوبا أول من أمس احتفالاً بتدشين حملة سميت «شباب من أجل استفتاء أبيي» أقيم في ميدان «ريمبو بمونيكي» بعاصمة الجنوب.. نفس عبارات الأمير مختار حول ضبابية موقف الخرطوم الرسمية، أشار إليها رياك مشار، ويشعر كثير من الناس بأن الخطأ يكمن في وضع كل البيض في سلة الآلية الإفريقية ورئيسها ثابو مبيكي الذي تبنى مقترحاً طرحه في الأساس برنستون ليمان المبعوث الأمريكي السابق للسودان لإجراء هذا الاستفتاء. وتعمل الحركة الشعبية وحكومة دولة الجنوب منذ فترة طويلة عقب إعلان انفصال الجنوب، على تنظيم فعاليات ومنظمات غير حكومية وخاصة أبناء دينكا نقوك للاستعداد للاستفتاء المنتظر، وتشرف جهات أمريكية وغربية وإسرائيلية على تدريب هذه الكوادر من عناصر الحركة الشعبية وأبناء المنطقة ذوي الانتساب الجنوبي، من أجل كسب وربح نتيجة هذا الاستفتاء إن قام في الموعد الذي حدده المقترح الذي يمثل فخاً منصوباً بعناية. وكان مقترح أمبيكي قد تجاوز المسيرية تماماً ومنعهم من المشاركة في هذا الاستفتاء. ومقابل ذلك لم تفعل الحكومة هنا في الخرطوم ولا في ولاية جنوب كردفان السابقة أو غرب كردفان اللاحقة، أي تنظيم من هذا النوع لمواطني أبيي وأصحابها الحقيقيين للمشاركة في أية ترتيبات يتم تحضيرها في أبيي سواء أكان استفتاءً أو شيئاً آخر.. وذلك يبدو أكثر إلحاحاً بالنسبة للمسيرية لظروف عدم استقرار وتحركات الرعاة منهم وتحركهم شمالاً في الفترة المقترحة للاستفتاء المزعوم. لكن كل ذلك لا يجعلنا نتغافل عن السبب الحقيقي وراء ما قاله رياك مشار أمام احتفال تدشين حملة «شباب من أجل استفتاء أبيي» بجوبا أول من أمس. ويحاول رياك مشار مغازلة دينكا نقوك خلال هذه الأيام وهو يخوض معركة سياسية مكشوفة مع غريمه اللدود سلفا كير ميارديت رئيس الدولة والحركة الشعبية، ووصلت حدة التراشق الكلامي في مضمار التنازع السياسي إلى درجة تلويحه بالحرب في وجه سلفا كير بسبب إقالة تعبان دينق، وهو بذلك يحاول كسب وتهيئة أهله النوير لضمهم إلى صفه، وجاء دور دينكا نقوك خاصة بعد إحالة دينق ألور للتحقيق وهو أحد أهم وأبرز قيادات أبيي. دخول مشار على الخط في قضية أبيي والاستفتاء، خطوة محسوبة بعناية من جانب نائب الرئيس المتطلع بقوة للصعود إلى قمة الهرم والجلوس عليه بعد إزاحة سلفا كير، ومحاولة للاستثمار في الوقت المناسب حتى يضيف نقاطاً في صالحه، فإذا تحقق مراده في هذا الملعب الذي كان مقصوراً على غيره، يكون قد حجب عن غرمائه الآخرين ولاء فخذ مهم من أفخاذ الدينكا، وسط غياب للطرف الآخر «سلفا» عن تفاعلات ما يدور في الوقت الراهن بالجنوب. ومهما يكن من أمر، فإن قضية الاستفتاء لتحديد مصير أبيي وتسخين الأجواء حولها هذه الأيام، ليست قضية خلافية بسيطة تسكت عليها الحكومة وتدور الأحداث والاصطفافات المختلفة وراء ظهرها. فحتى هذه اللحظة لم يكتمل قيام المؤسسات المدنية لإدارية أبيي خاصة المجلس التشريعي والمفوضيات أو الإدارات التنفيذية، والتي بقيامها يمهد الطريق نحو الاستفتاء المزمع إجراؤه في وقت مناسب.