تُعدّ دولة النيجر من ضمن الدول الإفريقية ذات الأغلبية السكانية الإسلامية، حيث تصل نسبة المسلمين إلى 99% من عدد إجمالي السكان الذي يبلغ 16 مليون نسمة، وهي دولة متعددة الأعراق والفئات الاجتماعية المتنوعة، ويتشكل سكانها من الهوسا والزرما والطوارق والعرب والفولان والتبو والغورمنتشي ...إلخ. تتجلَّي هذه النسبة المئوية المرتفعة في البلد أكثر مع بداية شهر رمضان المعظم، ومن خلال الاهتمام الكبير بإحيائه والقيام فيه، وتعظيم انتهاك الحرمات فيه، وهذا الاهتمام الزائد يبدأ من بداية الشهر ويرافق جميع أيامه القليلة ولياليه القصيرة، ومع بدايته يتم تبادل الهدايا بين المعارف والأصدقاء، حيث يتم تقديم سكر المكعبات، وأصبح ذلك عادة متجذرة في الشعب النيجري، ومن التقاليد المتعارف عليه عند ظهور الهلال خروج الأولاد يضربون الدفوف لإعلام الناس برؤية الهلال. موسم الخيرات: ولقد جرت العادة على أن عندما يهل شهر رمضان يجافى النوم أعين النيجريين، وفي هذا لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة، والرجل والشاب والصغير والكبير؛ بل الجميع يتجه إلى المساجد: للصلاة، وقراءة القرآن، والدعاء، وحتى البكاء، وتكون المساجد عامرة بالمصلين والقُرّاءِ، في الليل والنهار. وتكون ليالي رمضان، ليالي السهر والحركة الدائبة في المدن الكبيرة والمتوسطة، بل حتى القرى النائية الهادئة الوديعة في لباس الليل، يكسر صمتها وهدوئها القرآن الكريم الذي يبدأ مع بداية الليل، ويتصل بصلاة العشاء، ثم يتصل هذا الصوت للذكر الحكيم بالتراويح التي تهز كل أركان المدينة بمكبرات أصوات المساجد، في المدن الكبيرة، ويتصل بها قيام الليل الذي ينتهي بالشكل الجماعي قبل صلاة الصبح بساعة. الأرز على موائد الفقراء..والأغنياء على موائد المقاهي والفنادق! وحين يبتلع الليل الشمس تتنوع موائد إفطار النيجريين كل حسب فئته ومكانته في المجتمع، بحيث يكون إفطار الطبقة الفقيرة، غالبا الأرز، وبعض الأنواع المصنوعة من القمح والدقيق كالعصيدة، ونادرا اللبن والماء البارد، في حين تتشكل مائدة الطبقة المتوسطة من اللحوم الحمراء في بعض الأحيان، والخضروات، والحليب، والبيض، والفواكه، والأسماك، وأنواع أخرى من الأطعمة، أما عن الطبقة الهرمية فحدث ولا حرج، والأكل عندهم متواصل حتى السحور في البيوت وفي المقاهي والفنادق. وحين يقترب وقت السحور يقوم المسحراتي بضرب الدف لإعلان الاستعداد للسحور للذين قد غلبهم النعاس، أو استلقوا متأخرين، وللذين قد ينسون ثم يمر بعد تناول السحور لإعلان قرب موعد صلاة الفجر والإمساك عن المفطرات، وكأن هذه التقليد لا تكتمل صورة رمضان إلا بها، بحيث لم تطغ عليها التكنولوجيا ب-مكبراتها ومنبهاتها- كغيرها من التقاليد. وفي النهار يكون اليوم يوم عمل عادي جدا، كل شيء طبيعي إلا من بشاشة الوجه الزائدة، واختفاء مظاهر الطعام ودخانه، إذ إنه تكون كل المطاعم وأماكن الطعام خالية وطلليه. أما عن وجوه الخير كالصدقة والانفاق في هذا الشهر فهي بلا حدود، يعطون كل شيء، موجود بين أيديهم مع عوزهم، ملتمسين القول القائل الجود في الموجود، هذا عن الفقراء، أما عن من ليس فقيرا، لا أقصد أغنياء بالمعنى المعروف، فهم لم يبخلوا أيضا بما ملكت أيديهم، حيث يوجد منهم من يوزع الشراب قبل الإفطار والتمور والحليب ولوازم الفطور، وهناك من يوزع على المصلين في المساجد في أوقات القيام اللبن والمياه الباردة والشاي وبعض الأطعمة الخفيفة كالبسكويت، يوزعونها حتى يتقوى المسلمون على إنهاء القيام دون أن يحتاجوا إلى الماء. المؤسسات الخيرية .. تسابق وتنافس في رمضان: أما عن دور المؤسسات الخيرية الإنسانية فقد تسابقت هي الأخرى في العاصمة نيامي بإحياء أيام الشهر المبارك بموائد إفطارية رمضانية منذ مطلع الشهر الفضيل، ومن أهم هذه المؤسسات: «منظمة الدعوة الإسلامية مكتب النيجر، منظمة المركز الخيري للاهتمام بالتعليم والصحة والإغاثة، جمعية الفلاح الخيرية، مؤسسة قطر الخيرية، منظمة أيادي المسلمين العالمية مكتب النيجر، منظمة التنمية البشرية، لجنة مسلمي إفريقيا، مكتب جمعية الدعوة الإسلامية، سفارة المملكة العربية السعودية، .....إلخ». إحياء مشهود لليلة القدر: ولِلَيْلة القدر شأن آخر، بحيث يتضاعف فيه كل عمل، ويُقرأ القرآن، وتُقام النواقل، وتكون العيون ساهرة إلى الصباح، وفيها يتوجه كل من: رئيس الدولة والوزير الأول وكبار مسئولي حكومته ورئيس البرلمان والبرلمانيين ورجال القضاء ورؤساء المحاكم إلى المسجد الكبير المعروف «بمسجد القذافي» في العاصمة لإحياء ليلة القدر، بتلاوة القرآن الكريم، وترتيل ترانيم قصيدة البردة المشهورة، ويومها إجازة رسمية في الدولة. وداع.. الضيف الكريم: وحين يقرب رحيل الضيف الكريم، يودّعونه وهم طاهري النفوس والأرواح، يؤكدون على أن من عَلِقَ به شيء، يمكن أن يكمّل الطهارة بإخراجه زكاة النفوس لا الأموال، التي هي زكاة الفطر، كلٌّ يبذل ما في وسعه لإخراجها، وغالبا تخرج في النيجر بالطعام، إلا من الندرة القليلة من أصحاب الدخل المعقول والغالي، يخرجونها بالمال، ويتلمّسون أن يكون المال أفضل من الطعام، كَوْن المال ذو خيارات. أما في ليلة العيد تقوم كل أسرة بالطبخ حسب كِبر جيب كل أسرة، وغالبا ما تكون الطبخة إما: الإدام من لحوم الطيور الحبشية، أو دجاج، أو اللحوم الحمراء ، أو الدخن أو الأرز أو الذرة الصفراء، أو أي شيء في متناول اليد؛ ليتم توزيع وتهادي هذه الأطعمة على العائلة والجيران صباح يوم العيد قبل الذهاب إلى الصلاة. وبعد الصلاة والخطبة اللتان هما أعراس وتقاليد إسلامية أكثر جمالا من أي طقوس أو عيد آخر، فهي الأخرى كتاب آخر يحتاج إلى وقفة خاصة بهما. إن مثل هذه الأعراس والطقوس الإسلامية، والأعراف الجميلة المستقاة من تغلغل الإسلام في جسم الشعب النيجري، مع احتياج هذا الشعب البسيط في كل شيء، بدء من احتياجه إلى العلم بكل فروغه، والدروس الإسلامية، واللغة العربية، فضلا عن أقوات أيامهم. لهي دليل على قوة الإسلام، ومكانته التي لا يناديه غيره، مع بساطة هذا الشعب الطيب. إن مثل هذا الاستقبال والمرافقة الصاخبة بالذكر والتهاليل طيلة الإقامة التي يقيمها الضيف العزيز هذا، دليل ساطع على المكانة التي الكبيرة التي يحظى بها شهر الكريم، وهذه المكانة ليست وليدة السنوات الماضية، ولا علامة في تاريخ القرن، إنما قديمة قدم الإسلام وتعاليمه في غرب أفريقيا بصفة عامة، وفي النيجر منبع المقال بصفة خاصة، وهذا يؤكد من زاوية أخرى تمسك الشعب النيجري بعاداته وتقاليده الإسلامية السمحة النبيلة بجميع أقواس قزحه.