تعرَّضت ولاية شمال دارفور في مسيرتها إلى كثير من المطبَّات السياسيَّة والأمنيَّة، ولكنها رغم ذلك تمكَّنت من تجاوز هذه المطبَّات بفضل الجهود التي بذلها الجميع فخلال السنوات الماضية واجهت الولاية الكثير من الزنقات والأزمات والاحتقانات والتي كان آخرها أزمة جبل عامر بمحلية السريف والتي راح ضحيتها الكثيرون من أبناء هذه المنطقة وهي الأزمة التي أدت إلى صراعات حتى على مستوى القيادات والمسؤولين. والمعروف أن الذين يعملون في التنقيب بمنطقة جبل عامر جاءوا من كل أنحاء السودان، ومن بعض دول الجوار. وبالتالي أصبح هذا الجبل مهدِّداً أمنياً ربما يعصف بالاستقرار في الولاية التي توجد بها كل الحركات غير الموقعة على السلام، وكانت الأزمة قد اندلعت بعد شجار بسيط بين أفراد ثم تدهورت الأوضاع على أثره سريعاً وانتشر القتال بين أبناء المنطقة وانتشرت ظاهرة النهب لأجزاء من المنجم. إلا أنَّ الجهات الرسميَّة سارعت لعقد اجتماع فوري للجنة الأمن بوفود مع محلية الواحة وتم تحريك قيادات الإدارات الأهلية والحكمدارات إلى مسرح الأحداث لوقف القتال وتهدئة الخواطر، وتدخلت القوات المسلحة في يوم الأحد السابع من يناير، وتم توجيه المعتمدين بتكوين غرف لإدارة الأزمة على المستوى الإنساني والأمني والاجتماعي في محليات السريف وسرف عمرة وكبكبابية. كما تحركت لجنة أمن ولاية شمال دارفور برفقة وفد من الخرطوم إلي مسرح الأحداث للمتابعة الميدانية والمعالجات الفورية. وبعد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات والآليات أسهمت هذه التحركات في وقف القتال، لكن المعالجة الناجعة هي التي ينتظر أن تتم في مؤتمر الصلح المرتقب والذي تجري له عملية الترتيب الآن. وقد بدأت بالفاشر الأسبوع الماضي أولى جلسات الملتقى الموسع للآلية المشتركة لمعالجة الأوضاع بمحلية السريف والمحليات المجاورة لها على خلفية تلك الأحداث المؤسفة والدامية التي شهدتها منطقة «جبل عامر» الغنية بالذهب بشمال دارفور وذلك بحضور وفود من المناطق المتنازع عليها بمحليات السريف وسرف عمرة وبعض القرى المجاورة لها بجانب وفد من البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي العاملة بدارفور «اليوناميد». وقال والي شمال دارفور عثمان محمد يوسف كبر لدى مخاطبته فاتحة أعمال الملتقى إن الملتقى يأتي لتعزيز مسيرة وقف العدائيات بين الأطراف المتنازعة وإرساء قواعد التعايش السلمي بينها بجانب مراجعة وتقييم أدء الآلية المشتركة خلال الفترة الماضية وأشار إلى أن حكومته أكثر حاجة لمعالجة المشكلة في الوقت الراهن ووجه الآلية المعنية بالمعالجة إلى ضرورة إجراء ترتيبات عاجلة لمنع أية احتكاكات محتملة بين الطرفين خلال خريف هذا العام، كما دعا إلى ضرورة تهيئة البيئة الملائمة لسير المراحيل بمناطق السريف والمحليات المجاورة لها. وكشف كبر أن الأحداث التي شهدتها منطقة جبل عامر التابعة لمحلية السريف كانت سببًا رئيسيًا فى تدني نتيجة امتحانات شهادة مرحلة الأساس بالولاية هذا العام، قائلاً إن السبب الرئيس لتجدد الأحداث بجبل عامر هو انتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة بين الأطراف المتنازعة، محذرًا في هذا الصدد من أن بعض الجهات تسعى لإعادة إنتاج أزمة دارفور في ثوب جديد من افتعال المشكلات، ولكنه عبَّر في ذات الوقت عن أمله أن يكون الملتقى هو المحطة الأخيرة لطي ملف الخلافات بين قبيلتي الرزيقات والبني حسين. .وأعلن كبر قبول حكومته للمبادرات من كل الجهات لمعالجة المشكلة، مشترطاً أن تأتي تلك المبادرات عبر الآليات الرسمية للدولة داعيًا كل الأطراف المتنازعة خاصة «الحكمدارات» من الطرفين إلى ضرورة العمل الجاد والمخلص لإنهاء الحرب والجنوح نحو السلام والاستقرار. وأبدي الأستاذ الفاتح عبد العزيز عبد النبي رئيس الآلية تفاؤله بالجهود المبذولة من كل الشركاء من أجل معالجة المشكلة مبيناً أن الهدف من الملتقى هو الوقوف على ترتيبات المرحلة المقبلة خاصة أن الخريف على الأبواب، داعياً الجميع الى استشعار المسؤولية تجاه أهليهم، والعمل لحقن الدماء وتحقيق السلام والتعايش السلمي. وكشف عدد من قيادات القبائل الذين استطلعتهم «الإنتباهة» عن حاجتهم الماسة إلى السلام الاجتماعي والتعاضد بين الجميع مؤكدين أن أهل دارفور لهم القدرة على الدفع نحو إنجاح هذه المبادرات، وترجمتها للواقع كما بمقدورهم فرض خيار السلام على الحكومة والحركات المسلحة والقبائل المتصارعه وذلك بالسعي إلى وقف النزاعات القبلية بالاحتكام إلى الأعراف الموروثة، التي كانت تحفظ النسيج الاجتماعي لدارفور. محذرين في الوقت نفسه ممن وصفوهم بتجار الحرب المنتفعين من معاناة أهلهم. وقد أوصى الملتقى بضرورة الاستمرار في تهدئة الأوضاع وترتيبها وأعلن أن الآلية ستتيح الفرصة الكاملة لقبول المبادرات من كل الأطراف المعنية في الاجتماع القادم، وذلك توطئة للوصول إلى التعايش السلمي الذي يمكن الأطراف المتصارعة من العودة إلى قراهم الأصلية واللحاق بالموسم الزراعي وإعادة فتح الطرق والمدارس وعودة الحياة إلى طبيعتها وكشف أن الملتقيات العديدة المشتركة التي عُقدت في الفترة الماضية بمناطق التماس، غرة الزاوية وسرف عمرة والسريف والجحير وأم كتير وأم دكوم ومزري والكوثر تم من خلالها احتواء الكثير من المشكلات عدا الحادثة التي وقعت في الحادي والعشرين من يونيو الماضي والتي قال إنها أعادت الأمور إلى الوراء حيث يمكن لهذا الملتقى أن يكون اللقاء الأخير.