تعرفنا في الحلقة الأولى من المقال على طراز العقلية الملخومة التي يتمتع بها المدعو المختار اللخمي، الذي حاول قسرًا أن يحشر نفسه في زمرة المثقفين، ظانًا أنه لو تدفق بسيل من الهذيان المصطلحي المبتذل لأصبح مثقفًا ضليعًا في نظر الخواص قبل العوام. وهذا الضرب من الهذيان واللغط المعرفي يتعهد أمثاله من الحداثيين بحفظه والتباري في الإفضاء به لمناسبة وغير مناسبة، وكأنه مقرر دراسي مبدئي ضروري يحفظونه في حلقات الدروشة المذهبية، التي تجندهم لحمل أقلام الضلالة لنشر الفساد الفكري والدفاع عن حملة أقلام الضلالة من قبيلهم ممن ينشرون دعاوى الضلالة والإلحاد. وما نقم الملخوم اللخمي من الدكتور خالد موسى إلا أنه نقد كتاب المدعو محمد أحمد محمود الموسوم «نبوة محمد التاريخ والصناعة مدخل لقراءة نقدية» وكشف دِثاره وبيَّن عواره. ولذلك توعد الملخوم اللخمي خالدًا توعد الفرزدق أخاه مربعًا. ومن إمارات اللخمة الكثيفة التي تعتور دماغ اللخمي أنه جاء في مطلع مقاله الثاني بما أسرع فعدا عليه ونقضه في مطلع مقاله الثالث. فقال في مطلع المقال الثاني: «أولاً: أرجو أن اعتذر للعديد من القراء، والأصدقاء الذين راسلوني على البريد طالبين الكتاب، وأيضًا للذين طالبوني بتحويله إلى صيغة «البي دي إيف»، حتى يتمكنوا من الاطلاع عليه، إذ ليس في مقدوري القيام بذلك. كما أعتذر عن تأخر هذه الحلقة نسبيًا عن المقدمة الأولى لهذه الحلقات، وذلك بسبب المرض من ناحية، وبسبب الانشغال الأكاديمي، والمعيشي من ناحية أخرى». والذي يهمنا من هذا الهراء اعتذاره عن المساعدة في نشر كتاب الإفك الذي تولى كبره الدكتور محمد أحمد محمود. فهو لا يسهم بشراء نسخ من الكتاب ليهديها إلى أصحابه الذين طلبوا منه ذلك ولا يصوره ليتيحه لرواد الشابكة الدولية للمعلومات كافة. ولكنه مع عجزه الذي أبداه عن ترويج الكتاب وبذله للناس ما ينفك يهاجم من يزعم أنهم حالوا بين الكتاب وبين القراء. وقد كتب في هذا المعنى نيفًا وسبعمائة كلمة عند مفتتح مقالته الثالثة حاكيًَا طرفة عن بيرنارد شو قال إنها قد تصح أو لا تصح، ومتوعدًا المسلمين بأن :« كل كتاب منع علنًا، انتشر، و تدوول سرًا. و أقول ذلك أحيانًا، و ليس دائمًا، لأن هناك كثيرًا من الكتب مُنع، وحُظر من التداول بسسب تأثيرها الهائل على السائد، والقديم البالي في المجتمعات، مما يخلخل، ويزحزح الكثير مما لا تريد الدوائر الرسمية أن يتغير، فالمعرفة لا تنتج، بحسب فوكو، في فراغ مطلق، بل تنتج في سياق ثقافي محكوم بعلاقات السلطة والمعرفة». فكان من الطبيعي أن يستشهد مثل كل فرد من نوعه من الملتصقين و«المتلصقين» بسوح الثقافة والمتطفلين بها بميشيل فوكو! ومن لا يستشهد بميشيل فوكو في مقال أو كتاب له كيف يمكن أن يعد مثقفًا عند جمهور الحداثيين؟! وتبرع اللخمي فذكر لنا أسماء الكتاب الحداثيين الذين مُنعت كتبهم من أمثال نصر أبي زيد، وفرج فودة، ومحمد أركون، وعبد الله القصيمي، ونبيل فياض، وخليل عبد الكريم، وشحرور، وأغاجري! وقد لا يعرف الكويتب الملخوم أن كتب هؤلاء الكتاب الذين ذكرهم موجودة تُباع في جميع معارض الكتب، ولكن القراء يَصدِفون عنها بطبعهم ويعافونها بسليقتهم، فهم كتاب لا جمهور لهم ولا أحد يحول بين كتبهم وبين الناس. وإن كان الكويتب الملخوم اللخمي ممن يغشون معارض الكتب، إذن لرأى بأم عينيه جانبي المشهد معًا: حضور كتب هؤلاء الزنادقة وأشباههم في دور العرض، وازورار الناس عنها وبوارها من ثم. وقد نسي الملخوم اللخمي حديثه هذا عن منع الكتب وهو لما يكد يفرغ منه وانقلب فقال: «وظللت على المستوى الشخصي لسنوات أطوف على المكتبات في بيروت، وعمان، ودمشق، والقاهرة، والرياض، أبحث عن الكثير من الكتب التي منعتها الرقابة العربية بحجة التجديف، والزندقة، وعندما حصلت عليها لم أجد بها الكثير مما سمعته عنها قبل قراءتها، بل الكثير منها كان ضعيف الأطروحة». إذن فهذه الكتب غير ممنوعة وهي متاحة في المكتبات التجارية كما اعترف الآن فلماذا ادعى قبل هنيهة أنها ممنوعة؟! والجواب عن سؤالنا هذا هو أن هذا هو دأب الكتبة الحداثيين، الذين لا يطيب لهم الحديث بدون أكاذيب، والذين يكذبون بطرق ساذجة لا مهارة فيها ولا احتياط، فيكتشف خيوط الكذب في أحاديثهم كل من يطالع مقولاتهم بقليل تبصر. والآن دعنا نتفكه بسذاجة هذا الكويتب و«محليته» التي تبدو في روايته عن بائع كتب فلسطيني في قطاع غزة قال لإدوراد سعيد: «عندي كتب هامة جدًا لواحد خطير جدًا في أمريكا اسمه إدوارد سعيد، لكنها ممنوعة، ونحن نبيعها سرًا، فلو دايرها أجيبها لك، مخبئها في مكان بعيد». فهذا المدلس الحداثي السوداني يظن أن بائع الكتب الفلسطيني يمكن أن يستخدم كلمة «داير» التي هي قلبٌ نحويٌ سودانيٌ لكلمة أُريد. ولولا محلية هذا «الزُّول» لعلم أن «الزَّلمة» يستخدم في هذه المقامات كلمة «بِدِّي» ولا يستخدم كلمة «داير»!