لقد وضع سلفا كير ميارديت رئيس حكومة جنوب السودان نفسه في مأزق خطير عندما أعلن للعالم عزمه على تنظيف جنوب السودان من الفساد خلال الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، ولقد لاقى الخطاب الذي كتب بمهارة فائقة قبولاً واسعاً من قبل الأوساط السياسية بما فيها المعارضة الداخلية بجنوب السودان، متمثلة في زعيمها الدكتور لام أكول أجاوين الذي أثنى على الخطاب، إلا أن سلفا كير وبحسب تقرير وكالة جنوب السودان للأنباء سرعان ما وجد نفسه محاصرًا بين مطرقة الفساد وسندان المصداقية، فبعد أقل من أسبوع من الخطاب طلبت الممثل الخاص للامم المتحدة فى جوبا هيلدا جنسون من حكومة الجنوب استعادة «2» مليار دولار المخبأة فى البنوك الأجنبية من قبل أعضاء في الحركة الشعبية التي تدير حكومة الجنوب، كما ألقت الضوء على المعايير التى أكد كير الالتزام بها في ما يخص المحاسبة والشفافية في التمويل العام ومحاسبة المسؤولين الحكوميين الأمر الذي وضع مصداقيته على المحك بأن يقدم رفقاءه الفاسدين لمخالب العدالة، ومن ثم ينقذ نفسه ويعكس قوة شخصيته ومصداقيته بوصفها رئيساً لحكومة الجنوب، إلا أن الشارع الجنوبى يرى سلفا كير عاجزاً عن اتخاذ مثل هذه الإجراءات بسبب تورطه فى الفساد حتى عنقه من خلال امتلاكه عقارات باهظة الأثمان في استراليا، هذا فضلاً عن الملايين المودعة بالبنوك الاجنبية. ويرجح المراقبون أن يكون هذا هو السبب وراء مماطلة لجنة مكافحة الفساد في ملاحقة المفسدين. ولعل هذا المناخ يقدم فرصة نادرة للمعارضة، الأمر الذى دفع لام أكول إلى الحضور الى جوبا. والسيناريو الأسوأ هو ترك هذه العملية لتتحول الى العنف، وذلك لأن الجيش الشعبي قد قضم معظم كعكة الأموال المنهوبة، إذ أنه يتلقى 40% من مجموع ميزانية حكومة جنوب السودان بناءً على ما اورده د. جوك مادوت فى تقريره الذي نشره معهد الولاياتالمتحدة للسلام. وعلل كير عدم التهرب من مصيره حتى لا يجبر شعبه على التخلي عنهم ومن ثم مقاضاته امام المحكمة الدولية، وما لا يخفى على حصيف ان كير يواجه بضغوط دولية شديدة على كافة الاصعدة، فقبل أيام من المؤتمر الصحفي قالت السيدة جونسون في جوبا إنها تريد تسليط الضوء على التزام كير بالتعددية السياسية، وإنه سلط الضوء على التشكيل الحكومى الجديد الذى يشمل الاحزاب السياسية الاخرى، وهو التزام بالتعددية وضمان للاستقرار والتحول الديمقراطي، وتوضح ملامح لقاء الرئيس كير بالدكتور لام اكول القلق الذي يكسوه الغضب على عكس خصمه الذى بدا مسترخيا وهو يتقبل مجاملة الرئيس الدبلوماسية حين قال إننا نرحب بعودة الدكتور لام اكول للوطن، الامر الذى يعكس حجم الضغوطات العالية التى يتعرض لها. وقد اشبهت الصورة الى حد كبير الصورة التى التقطت للصادق المهدى لدى اجتماعه مع جون قرنق فى اديس ابابا فى عام 1988م، وتقول قصة الصورة إن الزعيمين اتفقا على ألا تؤخذ لهما صورة اثناء الاجتماع حتى لا يتأثر حزب الامة سياسيا من الاجتماع، إلا أن صحافة الحركة غزت الاجتماع وأخذت كل الصور التى تريدها، وظهر وجه الصادق المهدي وهو هائج وغاضب، ويشبه الى حد بعيد وجه سلفا كير في الصورة.