دائمًا أجد نفسي أحتفظ بكثير من وقائع وذكريات وبعض المقارنات في حياتي الطويلة ماضيها وحاضرها ولأيام الطفولة وشندي الجميلة بإنسانها البسيط الطيب، ولعلَّ الكثير يوافقني على أن ما عاشه من صداقات وذكريات لن يجد مردافًا له مهما تحولت السنون وتغيرت الأحوال وتبدل الواقع.. والشاهد في ذلك أننا نظل نستحضر ما فيها بمُرها وحلوها بحنين وشوق دفَّاق ويوافقني المدير والوزير ورجل الأعمال والمهندس والطبيب أنهم لو خُيِّروا بين ما هم فيه الآن من مناصب وبين العودة لتلك الأيام وسُلبوا كل ما آتاهم الله من نعم لكان خيارهم أن يعودوا لها !!! وبنفس القدر يظل أصدقاء الأمس هم الأعمق والأندر والأفضل والأرفع قِيمًا وأخلاقًا ومبادئ وارتباطًا بك... وإن باعدت بيننا سنوات التلاقي والمسافات نلتقي ونحرص أن نعيش حاضر اللقيا بألق الماضي وبديع ذكراه فلا يزال في قلبي وعقلي ود الصافي الجعلي الراقي، وود تيتابة الطيبان وود عباس المتديِّن وعبده المكار وغيرهم كثر اشتاق لرؤيتهم وأسعد بحنين لهم لذلك أجد أن مدخلي لتوضيح كلمة حبرتجي هو ذكريات عمائل صاحبنا «ود عبده» فكان ونحن طلاب في شندي الثانوية نذهب لتناول الفطور في مطعم بانقا بسوق شندي العريق وطعم الفول عنده بطعم شهد تلك الأيام يلف صاحبنا لجمع «الشيلنق» ونفاجأ بعد ذلك بأنه لم يدفع مليمًا واحدًا مساهمته في الفطور، واندعس ملح وكمان عنده باقي للبارد!! ودي الحربتجية البنقصده هنا ومعناها بالدارجي الواحد يكون فهلواني ويعمل شيئًا مجانًا بدون عناء أو تعب ويستفيد من الحربتجية بتاعته ويدفع الناس ويستفيد،، وما دعاني لذلك ما عايشته ويعايشه غيري فمصر هي أم الدنيا وستظل رغم ما يدور بها الآن من أحداث مؤسفة هذه الأيام وتفردها بتلك الأمومة على بلدان الدنيا ناتج فيما تقدمه.. نجدها في الفن متفردة، وفي التمثيل تفرُّد وفي الطب وفي التعليم وفي الوعاظ وأهل الدين والسياسة فهي من اخرجت من صلبها سيد قطب إبراهيم والشعراوي والقائمة تطول بهم، كان منها الشيخ الحصري أميز وأفضل من رتل القرآن قراءةً وتجويدًا وكان منها عادل إمام الذي ظل ولأكثر من خمسين عامًا يزرع البهجة والبسمة للشعوب حتى لا تعمى القلوب، وغيرهم كثر في التميُّز والإبداع والتفرُّد وكما هم الحال في القنصلية المصرية فهي في دول العالم تمنح تأشيرة الدخول لبلدها مجانًا!!! وبدون أي أجر أو قيمة وتتحمل كل تبعات العمل المرهق وتفتح أبوابها للقاصدين دون تسلط أو تعالٍ وهذا أيضًا تفرُّد ليس كباقي السفارات مع احترامنا لها نجدها تمنح «استيكر» مكتوبًا عليه «مجانًا» ولكن تضطر أن تدفع لها أو عبر نظامها الإلكتروني بعض المبالغ بحجج واهية وغير منطقية!!! فقط ما عليك إلا أن تبعد عن الحبرتجية الحول السفارة المصرية وقصتي أنني اعتدت ومن زمن طويل أن أوكل أمر حصولي على التأشيرة لمصر لأحد الأصدقاء ويفاجئني كل عام بزيادة سعره وتفنن في رسومها فتارة يعرض عليّ سته شهور ب«250 ج» ومستعجلة بي «300 ج» وسنة متعددة بي «350ج» وأدفع بدون تردد طالما أنني سأجد ما أُريد بدون عناء أو تعب وإن حاولت إقناعه بأن من الأفضل لي أن أذهب بنفسي لااعترافه الضمني بأن السفارة لا تتلقى أي رسوم مقابل ذلك لكن يعجزني ويسقط همتي في أن الشباك يفتح بعد صلاة الفجر ويغلق في العاشرة ويخيرني بين تلكم النارين أن أدفع أو أساهر وأجرجر في الصفوف التي غالبًا ما يقف فيها هؤلاء الحبرتجية بجوازات الغير وتنفد الأرانيك المطروحة حسب العدد المسموح به يوميًا بسبب نفادها!! وقد ساقتني الأقدار بعد أن اكتشفت وأنا في مطار الخرطوم في طريقي للسعودية عن طريق القاهرة متحوطًا لمروري بها والدخول لقضاء يوم أو اثنين لأفاجأ بأن تأشيرتي قد انتهت في نفس يوم سفري،،، حقيقي انزعجت جدًا لذلك خاصة أن التذاكر الإلكترونية تعرضك لخسارة كبيرة في حال التعديل أو الإلغاء، نظرت لساعتي وقد وجدتها قاربت الثانية ظهرًا وهو آخر يوم في الدوام بعده عطلة العيد فاتصلت بصديقي الحبرتجي ليجد لي مخرجًا يجنبني أي إلغاء أو تأخير وللأسف وجدته خارج العاصمة في إجازة العيد وتوكلت على الحي الدائم إلى القنصلية المصرية وما إن وصلت إليها إلا تبينت عندي كثيرٌ من الحقائق، شباب في أعمار متوسطة يجلسون «كيمان كيمان» رغم حرارة الجو سألتهم مستفسرًا عن الحدث ليجود عليَّ أحدهم بأن الشباك سيفتح بعد شوية وهم في انتظار تسليم الجوازات لهم، سألت أحدهم أنت مسافر فأجابني بصدق لا والله لكن عندي جوازات ناس داير أستلمها؟ تعجبت واقتربت عند فتح الشباك للتسليم نفس الشخص الذي سألته ما إن ينده الموظف المختص في شباك التسليم اسم شخص حتى يتقدم لاستلامه وقد تجاوز ما استلمه الخمسة جوازات دون أن يراه الموظف المختص الذي يحول بينه وبين المستلم حائل من حديد، حاولت التقرب له ليجد لي تدبيرًا وحلاً خاصة أن سفري له أهمية قصوى فأشار لي بأن أقرع الباب الشرقي وأشرح أمري وقد كان!!! رجل من أول نظرة تحس بأنك في حضرة إنسان يعي دوره والرسالة والتكليف والتمثيل المشرف لبلده، وبحرارة سألني «تفضل حضرتك أأمر» قدمت نفسي له بأدب واحترام يستحقه وشرحت له أهمية سفري اليوم وما يترتب على عدمه من مضار أدخلني لبهو السفارة بتقدير وكرم يُشكر عليه وطلب مني جوازي وصورة ومد لي أورنيكًا لأملأ بياناته، وقد فعلت مستعجلاً وماهي إلا دقائق معدودات حتى أحضر لي جوازي به تأشيرة متعددة لمدة عام كامل!!! اتفضل يابيه جوازك جاهز، وبدون أجر أو أي رسوم مفروضة، شكرته بحرارة وخرجت وأنا لا أصدق ما حظيت به من توفيق إلهي ولحقت بحمد الله رحلتي دون أي تعطيل بفضل الله ثم بفضلهم وظللت طيلة الرحلة أحلِّل وأفكِّر في ما حدث فالأمر في قمة البساطة وأبواب السفارة مفتوحة وتقديرات الإخوة بالقنصيلة متوفرة لأي طارئ، إذا فلماذا نسمح للسماسرة والحبرتجية لا إفساد ذلك الكرم والتسهيل والمكرمة التي منَّ الله بها علينا وعلى شعبنا الصابر؟ فكيف يظل أصحاب النفوس الضعيفة مشاركين لنا في أموال نتعب كثيرًا في تحصيلها وما هو المقابل ممّا يتحصلون عليه من مبالغ طائلة كهذه، نقدِّر أن من حق الذي يقضي عملاً أن يأخذ مقابله من أجر مناسب نظير ذلك لكن ما هو منطق أن تكون التأشيرة مجانًا وبدون رسوم ويتحصل الوسطاء على «150ج» كأقل قيمة لها؟ لا بد أن نراجع الأمر ونساهم جميعًا في إبعاد من يتمترسون حول القنصلية المصرية، وعليك أخي القارئ أن تسلك الطريق الصحيح لطلب ما تريده فهناك أناس مميزون بالقنصلية لا همّ لهم إلا أن يسهلوا لك ويسمعوا ظرفك ويقدروه كما حدث لي، وأعلم أن غيري كثيرون، وإن كان لي من ملاحظة أود ذكرها أن الحكومة المصرية تسمح للنساء والأطفال دون سن 16 عامًا والرجال فوق 49 عامًا بالدخول لبلدهم دون إذن مسبق من سفاراتهم والذين يخضعون لطلب إذن الدخول هم الفئة العمرية ما بين 16 و49 عامًا دون أن أجد أي مبرر أو منطق في ذلك مع احترامنا لقانون دولتهم وكنا نتمنى أن نحظى بطريقة المعاملة بالمثل التي هي نظام متعارف عليه، وحسب اعتقادي الجازم أن كل المصريين القادمين للسودان يحق لهم الدخول والإقامة وحتى التجنس دون أي شرط أو إذن مشروط، وسظل نرفع الراية بيضاء المعالم بأننا أبناء وادي النيل لن نكون إلا شركاء لكم في الهم والقضيه ونعيش معكم المحنة والأحداث لحظة بلحظة حتى تخرجوا من هذا المنعطف أكثر قوة وثباتًا ومهما تغيرت الأنظمة والحكام فستظل مصر هي أمنا التي نشتاق لحضنها الدافئ وشعبها الطيِّب وإنسانها المرح المريح الذي لا نشعر عنده بالغربة أو البعاد وإن كان لأطماع الحربتجية غير ما كتبت فأنصحهم ابحثوا عن مصدر رزق آخر وسيبوا الحبرتة واعكسوا الوجه المشرق لسوداننا الحبيب، ولك التقدير والاحترام الأخ القامة «جمال» مسؤل الأمن بالسفارة، فأنت خير سفير وأفضل من تمثل بأدبك الجم وفهمك الراقي وما لاحظته عليك وعلى إدارتك لكل المشكلات التي مرت اثناء وجودي تؤكد أنك تستحق هذا التكليف فكل من كان أمامك خرج راضيًا ومقتنعًا، وإن لم يمنح أو يلقى ما أرد وعبرك تحية وتقديرًا لكل طاقم القنصلية بدءًا بالشاب المهذب الوقور سعادة القنصل «معتز» وأركانحربه الأكارم ولكم من الشعب السوداني كل الحب والتقدير ومني مليون سلام.