يبدو أن ثورات الربيع التي انتظمت عددًا مقدرًا من البلدان العربية والتي قدمت في أولى انتخاباتها الديمقراطية التي شهدتها منذ استقلالها الإسلاميين على المستوى الرئاسي والتشريعي، سواء في مصر أو تونس أو ليبيا تشهد ثورات مصنوعة من الداخل والخارج ضد حكم الإسلاميين، وأحدث سيناريو في هذا المنحى ليس عزل الرئيس المصري محمد مرسي في الثالث من يوليو فحسب بل العمل على تصفية أي نشاط للإخوان المسلمين، وذلك بفض اعتصاماتهم في ميادين رابعة العدوية والنهضة ومصطفى محمود، على نحو دامٍ أفرز مجازر مروعة بلغ ضحاياها بين القتلى والجرحى بالآلاف، ولعل تلك الأحداث الجسام بالجارة المصرية قد أرهفت من حس فرقاء الإسلاميين بالسودان لاسيما المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي الذين امتدت الخصومة مابينهما قرابة الأربعة عشر عاماً من لدن مفاصلة رمضان الشهير في رمضان العام «1999»، وتجلى ذلك الإدراك بوضوح في المسيرة التي سيرتها عدد من القوى الإسلامية وفي مقدمتها الشعبيين والوطنيين فضلاً عن الحركة الإسلامية السودانية أمام القصر الجمهوري بالجمعة الماضية، وأبرزت الصحف صور قيادات الحزبين جنباً إلى جنب مجتمعين لأول مرة في مخاطبة تلك المسيرة الهادرة، فقد اصطف الجميع في صلاة الجمعة خلف القيادي بالحركة الإسلامية والوطني محمد أحمد حاج ماجد الذي خاطب الجموع من على المنصة بقوله: (أوجه خطابي إلى الرئيس البشير وإلى حسن الترابي وإلى الزبير حسن أحمد واسألهم بالله أن يحققوا الوحدة)، وعلى ذات النهج مضى الأمين العام للحركة الزبير أحمد الحسن الذي حيا نائب الأمين العام للشعبي إبراهيم السنوسي ونادى عليه بشيخي قائلاً: ( إن ما حدث بمصر سيدفعنا إلى الوحدة وعلينا أن نكون فوق خلافاتنا) مضيفاً ( إن الإسلام الذي صبر على السجون وصل إلى السلطة عبر الديمقراطية، ووحدة الإسلاميين ستكون المخرج)، بدوره أكد السنوسي على دعوة قيادات الوطني والحركة بقوله (حان الوقت ليكون الصف المسلم واحداً في مواجهة العلمانيين من المحيط للخليج، الذين يريدون أن يتآمروا على إخواننا في مصر، وعندما ينتهون يأتوت إلى السودان) وأضاف (المعركة مستمرة طالما أن هناك حقاً وباطلاً). ولا تبدو تلك التصريحات مفاجئة كما أنها لا تبدو وليدة مجازر السيسي ضد الإخوان المسلمين في مياديين الاعتصام، فمنذ فترة ليست بالقصيرة أخذت الأحاديث تترى لإعادة اللحمة بين فريقي القصر والمنشية، فقد سبق للوزير برئاسة الجمهورية أمين حسن عمر أن أقرّ في تصريحات صحفية بأن الحوار جار بين الطرفين ولكن بمنأى عن وسائل الإعلام، وكانت وتيرة التنبؤات بوحدة الإسلاميين قد ارتفعت عل إثر اللقاء الشهير الذي جمع بين النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه ومساعد الأمين العام للشعبي علي الحاج محمد في بون بألمانيا في مارس الماضي، كما نسبت بعض صحف الخرطوم في مطلع هذا الشهر تصريحات لعلي الحاج جاء فيها الاثنين أكدا فيها أن المرحلة الراهنة تقتضي الإسراع في عملية الوفاق بين حزبي الوطني والشعبي، وأشار علي إلى أن الأمين العام لحزبه حسن عبد الله الترابي أبدى موافقته على مبدأ لم الشمل لضرورات تمليها المرحلة الراهنة، وأقرّ بوجود مشاورات ولقاءات على مستوى قيادات الحزبين للبحث حول كيفية المشاركة في الحكومة القادمة، ورغم أن نائب الأمين السياسي كما عمر نفى تلك التصريحات إلا أن المثل الدارج (مافي دخان من غير نار) يبقي حاضراً في مثل هذه الأحوال، وذا ينطبق على التصريحات المنسوبة للترابي مؤخراً من رئيس الجمهورية لا علاقة له بالمفاصلة وأنه رجل متدين رغم نفي السنوسي لها، وبما أن الأشياء ليست بالضرورة هي الأشياء ربما كان النفي الكثيف الصادر عن الشعبي إمارة على ثبوت العكس مما يراد منه، ويبقى أن الجديد في مسألة التصريحات المنسوبة لقيادات الشعبيين والتصريح المضاد أن السنوسي قال في تصريح للزميلة (آخر لحظة) أمس إنه بالرغم من رفضه للخوض في تفاصيل تصريحه حول وحدة الإسلاميين إلا أنه سخر من الأحاديث التي تفيد بوجود مجموعات متشددة بحزبه أبدت رفضها القاطع لدعوته وقال(منو أقدم مني في الحركة الإسلامية عشان يقول لي دا صاح ودا غلط)، وفي السياق المضاد نفسه نقلت الزميلة (الأهرام اليوم) عن أمين الدعوة والفكر أبو بكر عبد الرازق (إن الوحدة غير ممكنة ونعمل لإسقاط النظام). ويخبر مصدر طلب حجب هويته عن وجود حوارات جارية بين مجموعات وأطراف بين المؤتمرين، على مستوى القواعد والقيادات، وأشار لتصريحات علي الحاج وقال إن نفي تلك التصريحات مردها منطلقات شخصية لا يرغب أصحابها في تقارب الطرفين، وقال إن لقاءات الطرفين يراد منها الاطمئنان إلى الالتزام بما سيجري الاتفاق حوله، فالمسألة تتعلق بالبحث عن الثقة، خاصة أن الأخيرة لا تكتسب بين ليلة وضحاها، وهي بحاجة لمؤشرات تدل عليها. أما رئاسة الجمهورية فقد أخبرت عبر تصريح النائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه أن الرئيس عمر البشير بصدد مبادرة لحل الأزمات في مناطق النزاع وفيما يلي الأوضاع السياسية عامة، كل هذه المؤشرات لا تمنع من احتمالات وجود عراقيل من بعض الأطراف من بعض (الكباتن) هنا وهناك وحقوق الصك محفوظة لنائب رئيس الوطني لشؤون الحزب نافع علي نافع لوصف بعض قيادات حزبه إبان الانتخابات الماضية هؤلاء الكباتن ربما نظروا للأضرار التي ربما ستحيق بهم جراء التئام الشمل مجدداً، في التسكين بالمواقع الحزبية والرسمية، أو كباتن آخرين لهم صلات وثيقة بالعلمانيين واليساريين في تحالف المعارضة. المراقب العام السابق للإخوان المسلمين شيخ صادق عبد الله عبد الماجد قال إن الظروف الحالية التي تمر بها دول الربيع المصري خاصة ما يجري في مصر حالياً كلها تعتبر دوافع قوية للغاية للحركات الإسلامية في العالم الإسلامي لكي تواجه نفسها، وتلفت للحقيقة التي لا مناص منها، وهي البدء الفوري لوحدة الإسلاميين، فالظروف الراهنة تحتم على هذه التكتلات أن تدافع عن نفسها، وإذا كانت الظروف في الماضي باعدت بينهم فقد آن الأوان للوحدة، وأضاف في حديثه ل (الإنتباهة) أن الأوضاع الحالية خاصة في السودان تفرض على الإسلاميين أن يعملوا عقولهم دون عواطفهم، وإذا كانت الظروف قد فرضت على الحزبين الكبيرين في إشارة للشعبي والوطني أن يحدث بينهما ما حدث يقصد المفاصلة، فإن السنوات التي مضت عليها كفيلة ببعث صرخة مدوية للطرفين أن يعيدا النظر في كل ما يدور بينهما، وزاد أن دعوتهما للوحدة ليست قصرًا على المؤتمرين فقط إنما لكل الحركات الإسلامية في السودان، فهي ذات أثر بالغ في الحياة السياسية السودانية، فالظروف ضاغطة، كما أن التحركات الدولية شئنا أم أبينا تقف على أهبة الاستعداد لكي تحقق ما ترجوه من استمرار الخلاف بين الحركات الإسلامية في السودان، ودعا العقلاء في الحزبين أن يضعوا هذه الحقيقة بتجرد، وألاّ يُساق بعضهم إلى المواقف السابقة التي أدت للفرقة بينهم، وبشأن ما إذا كانت للإخوان أية مساعٍ للدفع بهذه الوحدة قدماً للأمام قال شيخ صادق إن حديثه السابق بداية لتفكير جاد من الإخوان لوصل تلك الآراء بالواقع. وعلى ذات النسق ذهبت نائب الأمين العام للحركة الإسلامية رجاء حسن خليفة من أن وقائع التآمر على تجارب الإسلاميين في الحكم وخاصة ما جرى في مصر مؤخرًا يحتم على الإسلاميين أن يتجاوزوا خلافاتهم، خاصة أن الثابت أن الحركات الإسلامية أصل واحد، أما الاختلاف فيما بينها فهو عرض طارئ، ودعت في حديثها ل (الإنتباهة) الإعلام لأن يساعدهم في المضي قدماً في هذا المنحى، وأن لا يتعامل مع هذه القضية على أنها سبق صحفي، وأردفت أن الوقائع الراهنة تستوجب على الإسلاميين أن يكونوا في منبر واحد ومنصة واحدة، كما أنها أي الوقائع هي استدعت بروز الدعوة لوحدة الإسلاميين للعلن، وبسؤالها عما إذا كانت هناك خطوات فعلية على الأرض بخصوص وحدة الإسلاميين أوضحت رجاء أن الزمن والمستقبل كفيلان بأن تصبح الوحدة حقيقة ماثلة على الأرض، وبالإشارة إلى أن كلمة المستقبل تبدو بعيداً قياساً للأسباب التي أعلت من وتيرة الدعوة عن الوحدة قالت إن المستقبل ممكن يكون (بكرة أو بعد بكرة)، ومثل هذه الخطوات عندما تأتي بعد دراسة تحمل في طياتها صمام أمان للاستمرارية، ولفتت إلى أن التصريحات حول الوحدة التي صدرت بالجمعة الماضية صدرت عن قيادات لها وزنها في التنظيم بالحركة الإسلامية، ودعت لعدم الاستعجال وأن تترك مسألة الوحدة لوقتها. تداعيات الأزمة المصرية على السودان الكاتب الصحفي حسين كرشوم وصف وحدة الإسلاميين بالممكن، فالكثير من المناسبات الاجتماعية تجمع بين الإسلاميين يجري فيها الحديث عن توحيد الصف الداخلي إجمالاً، ومن ذلك توحيد الإسلاميين خاصة الشعبي والوطني، خاصة أن بينهما الكثير من المواقف المشتركة، منها وحدة التصور في القضايا الملحة في الساحة السودانية، ومنها قضايا السلام في مناطق النزاعات (المنطقتين)، فالرؤية السياسية التي تنطلق من الفكر الإسلامي واحدة، وفي دارفور واتفاق الدوحة وما أحدثته الحرب هناك من هزة كبيرة في المجتمع وتهديد النسيج، الاجتماعي وحديثاً موقف المؤتمرين المشترك حيال الأحداث في مصر، وما لذلك من تداعيات على البلاد (من قبيل الحدود المفتوحة بين البلدين، والمشكلات المتعلقة بها كما في حلايب وشلاتين، والتاريخ المشترك بين الحركة الإسلامية في البلدين، وكون مصر إحدى دولتي الحكم الثنائي، فضلاً عن ملف مياه النيل وما يتعلق به من إستراتيجيات، والتداخل الاثني في أقصى شمال السودان وجنوب مصر الذي أفرز وحدة ثقافية لاتخطئها عين) كل تلك العوامل تدلل على المصالح المشتركة بين البلدين. ثانياً هناك البعد المتعلق بالأدوار المؤثرة وغير المرئية التي ساهمت بها مصر حيال السلام في السودان، خاصة في قضية التجمع الديمقراطي وذلك بالتفاهم مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وذلك قبل بروز الدور الإثيوبي في عملية السلام مؤخراً. ثالثاً من المشتركات الأخرى بين المؤتمرين وحدة التصور في القضايا الملحة في الساحة السودانية، ومنها قضايا السلام في مناطق النزاعات (المنطقتين)، فالرؤية السياسية التي تنطلق من الفكر الإسلامي واحدة، وفي دارفور واتفاق الدوحة وما أحدثته الحرب هناك من هزة كبيرة في المجتمع وتهديد النسيج الاجتماعي. ثالثاً ولما كانت المصائب يجمعن المصابين من قبيل وفاة القطب الإسلامي الكبير يس عمر الإمام وشقيق الترابي عبد الحليم، فلقاءات الترابي والبشير الاجتماعية المتعددة في الآونة الأخيرة تطرق على الأوتار العاطفية لدى الإسلاميين مهما كانت الإحن بين الطرفين، لذا فإن القواسم المشتركة بين الإسلاميين لا بد أن تدفع الإسلاميين لتجاوز جراحات الأمس. بين الأمس واليوم ويشير حسين إلى أن خطر الأمس كان قائماً على الاختلاف في القضايا الداخلية أو حسابات داخلية بين المؤتمرين وتعامل كل طرف مع صاحبه، أما اليوم فالخطر تجاوز حدود الجانب الأخلاقي من قبل العلمانية التي تحارب الوجود الإسلامي في المنطقة الإسلامية، مقارنة بالأمس حيث كان ثمة حياء يدارون به حربهم على الإسلام على غرار ماحدث لإسلاميي الجزائر في انتخابات مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث لم تكن هناك تصفيات واضحة للإسلاميين، وما يحدث في سوريا اليوم من جر الإسلاميين لحرب طويلة الأمد لإبادة الإسلاميين، وفي العراق تحالف الشيعة مع الغرب لإبعاد السنة والمقصود هنا الحركة الإسلامية، وما يحدث في ليبيا من إشعال الحرب بين الإسلاميين والقبليين حتى لا يتم الاستقرار بليبيا، وعلى ذات النسق تمضي وتيرة الأحداث في تونس، وكأنما ثورات الربيع التي قدمت الإسلاميين للسلطة في بلدانهم صارت مهددة للوجود الإسلامي، في مثل هذه الظروف لا يجدر الاختلاف والعدو ينظر إليك كإسلامي كالآخرين، وعاد ليقول كان ثمة حياء بالأمس ولكن عندما يجري مقتل أكثر من الفي إنسان في المياديين ويحرق المسجد كما في ميدان الاعتصام، فهذا الخطر الماثل يستدعي تقارب الإسلاميين لمواجهته وإلا استفرد العدو بكل طرف على حده، خاصة ولا يزال الحديث لكرشوم أن ما يجري بمصر مسلسل يراد له في غضون هذا الشهر والشهر الذي يليه الانتقال إلى دول الربيع العربي، في تونس وليبيا لإبادة الإسلام السني، في سابقة تحدث لأول مرة عبر تحالف الشيعة والغرب. حول مساعي الوحدة ويخبر مصدر طلب حجب هويته عن وجود حوارات جارية بين مجموعات وأطراف بين المؤتمرين، على مستوى القواعد والقيادات، وأشار لتصريحات علي الحاج، وقال إن نفي تلك التصريحات مردها منطلقات شخصية لا يرغب أصحابها في تقارب الطرفين، وقال إن لقاءات الطرفين يراد منها الاطمئنان إلى الالتزام بما سيجري الاتفاق حوله، فالمسألة تتعلق بالبحث عن الثقة، خاصة أن الأخيرة لا تكتسب بين ليلة وضحاها، وهي بحاجة لمؤشرات.. على كل يبقى أن مسألة وحدة الإسلاميين إذا كانت في السابق من المندوبات باعتبار أصولهم العقدية الواحدة فإنها في هذه المرحلة العصيبة من التاريخ تبدو فرض عين لأنها هي الفيصل ليس في الحفاظ على مشروعهم بل والوطن الذي تكالبت عليه الآكلة من كل حدب وصوب.