الأزمة التي خلفها خريف هذا العام من أمطار وسيول غزيرة اجتاحت معظم الولايات والعاصمة أدت إلى إحداث كوارث صحية وبيئية وانهيار معظم المنازل لا سيما في الأحياء الطرفية من العاصمة، إضافة إلى شرق النيل التي تعد من أكثر المناطق تضرراً. والجدير بالذكر أن هذا السيناريو المأسوي ظل يتكرر كل عام، وعند كل خريف الحكومة تعلن في مؤتمراتها الصحفية أن الوضع تحت السيطرة وأنها أجرت الترتيبات اللازمة لدرءآثار الكارثة لكن سرعان ما تسقط الحكومة في أول اختبار لها عند هطول أول قطرة ماء. ونجد المتضررين جراء تلك السيول يعيشون أوضاعاً مأسوية سيئة والسودان في حاجة ضرورية للتدخل الفوري من منظمات المجتمع المدني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي الوقت نفسه هناك رفض تام من نواب الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني» دعوة المعارضة والعضو عن حزب المؤتمر الشعبي إسماعيل حسين في جلسة البرلمان يوم السبت الماضي إعلان السودان أنه في «حالة كوارث» بسبب الأمطار والسيول. وقال إسماعيل حسين إنه يعيب على الجهاز التنفيذي عدم إعلانه حالة الكوارث، وأوضح أن معلومات هيئة الإرصاد الجوية كجهة فنية كانت دقيقة وعلمية وكان من المفترض أن يوظف الجهاز التنفيذي ومجلس الوزراء هذه المعلومات والتقارير في اتخاذ الاحتياطات اللازمة، فالمعلومات كانت متوفرة وهناك عجز وفشل وعدم مسؤولية وانعدام للإحساس بالمسؤولية. وأضاف ل «الإنتباهة» أن الحالة تقتضي إعلان حالة الكوارث ومناشدة الأممالمتحدة والمجتمع الدولي بشأنها. رئيس لجنة العمل في البرلمان د. الفاتح عز الدين أكد أن الأمر لا يستدعي إعلان حالة الطوارئ في البلاد، لأن الإعلان عن الكوارث تحكمه معايير دولية، مضيفاً أن المعيار عندما يصل إلى حد الكارثة فإن الدولة ستعلن ذلك.. ووفقاً لمراقبين فإن نواب المؤتمر الوطني في البرلمان يعتبرون أن الإعلان عن حالة الكوارث يعني إعلاناً واعترافاً بالفشل والعجز في معالجة القضية، وهذا ما ترفض الحكومة الاعتراف به. وفى ذات السياق استبعد د. سليمان مرحب مفوض العون الإنساني وجود حاجة لتدخل المجتمع الدولي لمعالجة الأوضاع الإنسانية التي خلفتها السيول والأمطار، ونفى وصول الأمر مرحلة الكارثة، نافياً ذلك في مؤتمر إذاعي، ووصف الفيضان بأنه ظرف استثنائي يتطلب معالجة خاصة. بالرغم من حاجة السودان ومتضرري الأمطار والسيول للمساعدات الإنسانية وعدم احتمال الوضع الذي يزداد سوءاً عند هطول الأمطار إلا أن الحكومة ما زالت تخشى من الأجندات الأجنبية ودخولها السودان بذريعة إغاثة منكوبي السيول والأمطار. وحول هذا الخصوص قال الخبير الأمني العميد حسن بيومى ل «الإنتباهة»: بغض النظر عن الجبهة الرافضة للمنظمات الطوعية من دعم متضرري السيول والأمطار دون مسميات، السودان لديه تجربتان ومواقف من تلك المنظمات في دارفور والشرق وإن لم تعلن الحكومة أن السودان في حالة كوارث ووجدت دعومات من تلك الدول لأنه ببساطة ليست لديها القدرة على إعانة هؤلاء المتضررين الذين يفترشون العراء إضافة إلى الإغاثة أيضاً له جوانب سياسية. وذهب بيومي إلى أن الحكومة أيضا قادرة على إغاثة المنكوبين لكن ليس حباً في عمل الخير أو بغرض الدعم مثلاً لكن لاعتبارات سياسية بحتة القضية واضحة جداً لا بد من رضوخ الحكومة للأمر الواقع، وبالفعل السودان في حاجة ملحة جدا للمساعدات الإنسانية من أجل إنقاذ المتضررين وعدم التفكير في الاحتمال الآخر إنقاذهم هو الهدف الأول. وهناك خياران لا ثالث لهما إما أن تترك الحكومة هؤلاء المواطنين يموتون جوعاً وتعلن بكل صدق أنها غير قادرة على إعانتهم، وإما عن الاحتمالات الأخرى التي تتخوف منها، يجب أن تتركها جانباً والظن أن تلك المنظمات لربما تأتي من أجل التجسس والمآرب الأخرى تحت بند الأجندة الأجنبية. مبينا ً أن هذا الأمر يجب أن تضعه الحكومة جانباً وإما تترك هؤلاء للمجهول ونذكر جيداً تجربة المنظمات في عهد الرئيس جعفر نميري، كان له موقف واضح قام على ترحيل اليهود الفلاشا والأمريكان عندما اعترضوا على ذلك كان له موقف واضح وصريح. وأرجح دخول المنظمات بكل ما تحمله من تبعات وعمل غض الطرف عن ماذا بعد؟ من أجل إنقاذ إنسان دارفور ولولاهم لماتوا جوعاً والتاريخ لن يغفر له ذلك. وأشار بيومي إلى أنه لا بد للحكومة الآن فعل ذلك بالضبط، وعليها غض الطرف عن ما تفعله المنظمات لإنقاذ المنكوبين الذين عجزت الحكومة نفسها عن تدارك الأمر حتى وقع البلاء وذهبت التجهيزات التي ينادون بها أدراج الريح وسقطت الولاية في أول امتحان لها بعد إعلان الجاهزية المزعومة، وهذا هو الخيار الوحيد. القضية واضحة والمرجعية في دارفور والشرق، موضحاً أن الهدف الإستراتيجي من ذلك هو الحاجة الملحة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل المسؤولية الوطنية. ومضى بيومي متسائلاً: أليس المنظمات العربية التي أتت بالإغاثة للمتضررين في السودان ليس لديهم أجندات خاصة بهم ومصالح خفية السودان مثلهم مثل المنظمات الأجنبية التي تتخوف منها.