كارثة السيول الأخيرة كشفت عن أن الذي ينتظرنا عمله كبير بكل المقاييس. ولكن الأكبر من قدر الإنسان هو الإنسان. فقد أجرت الإذاعة البريطانية لقاءً مع مسؤول في ولاية البنجاب بالباكستان التي غمرتها السيول في نفس الوقت الذي غمرت فيه مناطقنا. وأجاب الرجل عن أن بلاده فعلاً تعرضت لكارثة كبيرة بعد أن اجتاحت السيول مليون منزل، لكن ذلك في نظره لا يمثل كارثة لا يمكن مواجهتها، فهم كما يقول مستعدون لذلك ولا يحتاجون لإغاثة من خارج الباكستان. ويقول صحيح إنهم في عام 2010م لم يكونوا مستعدين عندما دمرت السيول عشرة ملايين منزل، ولهذا منذ ذلك الوقت جهزوا كل إمكاناتهم ووضعوا الخطط لمواجهة مخاطر السيول. وقد جاء في الأثر أن العبقري من يستنبط من الوسائل ما يواجه به المخاطر، ولكن الحكيم من يستنبط من الوسائل ما يمنع حدوثها. ولهذا فإن المكتب الأكاديمي لرئيس جامعة المغتربين يجهز ليرفع لرئيس الجامعة مشروعاً يتضمن الحكمة والعبقرية. وذلك باستنباط الوسائل التي تمنع حدوث المخاطر والكوارث، وإذا حدثت فإنه يستنبط كيفية مواجهتها وتقليل آثارها، وفي ذلك خدمة للمجتمع العريض الذي نشأت فيه الجامعة وما يتوقعه منها من مساهمات فاعلة. والخطة تتضمن إشراك عدد كبير من الجهات ذات الصلة المباشرة مثل مصلحة الإرصاد الجوي في وزارة البيئة والغابات والمجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية ووزارة التخطيط العمراني والصرف الصحي والصرف السطحي، وأساتذة من كليات الهندسة المختلفة من جامعة المغتربين، وأساتذة في علم السموم البيئية.. وذلك لصياغة منهج أكاديمي تنشأ بموجبه أول كلية للهندسة البيئية Environmental Engineering وقد تم الاتصال بالدكتور عبد الله خيار مدير الإرصاد، والدكتور صلاح بقادي الوزير بالمجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية بولاية الخرطوم، والدكتور عمر مصطفى عبد القادر المدير العام للمجلس الأعلى للبيئة، والدكتور كمال الطيب يس بكلية الهندسة الكيميائية بجامعة الخرطوم، والدكتورة رانية محمد خير خبيرة السموم البيئية وعميد كلية الهندسة بجامعة المغتربين ورؤساء الأقسام بكلية الهندسة، وسيتم الاتصال بمدير قسم البيئة بوزارة النفط وغيرهم، حتى يتم وضع منهج متعدد التخصصات وفقاً لاحتياجات كل قسم، وحتى ينخرط الطلاب في دراسة مناهج هم يدركون سلفاً أين ستقودهم كل حسب رغبته لأن البيئة متعددة الجوانب والاحتياجات. وهذه نظرة جديدة في إنشاء الكليات التي تتعلق بحاجات المجتمع الفعلية. والمبررات الحقيقية التي تدعو لإنشاء هذه الكلية أو كليات أخرى بمفهوم جديد تتلخص في الآتي: السودان مثل غيره من الأمم يعيش في ظل أوضاع عالمية سريعة الإيقاع. وقد انعكس ذلك في الكم والكيفية التي واجهنا بها قضايا التعليم العالي التي برزت إلى السطح بوصفها نتاجاً حتمياً لمجابهة المتطلبات الحضارية اليوم. وقد تمحورت هذه المعضلات في خطين أساسيين: 1/ إما أن نظم التعليم الجامعي القديمة لم تعد قادرة على توظيف التعليم العالي في جميع الدول وليس في السودان وحده توظيفاً يستوعب هموم العصر مما جعل الدول تتجه إلى البحث عن استراتيجيات مرنة لها القدرة الذاتية الكافية على إحداث التغيرات المتطلبة وامتصاص احتمالات المستقبل بشكل فاعل وفقاً لما ذكره الدكتور الفين توفلر «1981م» في كتابه «صدمة المستقبل» قائلاً: «إن الذين يدفعون بأولادهم للمدارس فإنهم يفعلون ذلك بدافع أن يجدوا مكاناً لأولادهم في المستقبل... ويجب علينا طبقاً لذلك أن نحدد أهدافنا واستراتيجيتنا من منظور يلائم المستقبل ويأخذه في اعتباره». وقد شكل ذلك المستقبل الهاجس الكبير للمخططين التربويين. 2/ وإما أن التعليم الجامعي نفسه استناداً إلى الفلسفات القديمة تحول إلى عنق زجاجة لا يتسع للأعداد الهائلة من الطلاب الناجحين الذين يفشلون في الحصول على أماكن وسط ذلك «الماراثون» الثقافي الهائل الذي يقام سنوياً قبل الدخول للجامعات. وقد انحصرت معظم الدراسات التي أجريت في معالجة المشكل الأول، وذلك برسم أهداف جديدة للتعليم الجامعي ومحاولة ربط التعليم بخطط التنمية القومية في سبيل استخلاص مبرر اقتصادي للتعليم الجامعي في وقت ارتفعت فيه تكلفة البرامج الدراسية الإجمالية ارتفاعاً كبيراً. وللتغلب على المشكلة من وجهها الثاني لجأت الدولة إلى التوسع الهائل في الكم التعليمي وذلك لاستيعاب ما يمكن استيعابه من ناجحين في الشهادة الثانوية، فأنشأت الجامعات والكليات الجامعية، ووضعت خططاً للتعليم الأهلي والأجنبي للدخول في هذا المشروع القومي الكبير. إن كل تلك المؤشرات تستدعي إحداث تغييرات جوهرية في الركائز التعليمية لمستقبل متغير بصورة ديناميكية، نحن لا نستطيع أن نقف على رصيفه متفرجين غير آبهين بما يحدث حولنا. وقد جاء في مقال نشرته الدكتورة باريرا بيرن مديرة البرنامج العالمي في جامعة ماستشوست بالولايات المتحدة تحت عنوان: «اتجاهات في التعليم» في مجلة انكاونتر1974م «إن الوظيفة التقليدية للتعليم العالي لتدريب الصفوة، وذلك للعمل في الجامعات كأساتذة وللبحوث ولملء الوظائف الأكاديمية، أصبحت عقيمة». وإزاء هذه الظروف التي تلقي بمتطلباتها على التعليم العالي ولا يمكن تجاهلها، يأتي دور الكليات في المراجعة المستمرة لتنفيذ وتخطيط البرامج التعليمية على أساس التميز والتفرد حتى تخدم مجتمعها الخدمة الفاعلة، وأن تصمم مناهجها وفقاً للتوجه العالمي في ربط التعليم العالي بالاحتياجات الفعلية للعمالة في المجالات التقنية الرفيعة JOB ORIENTED PROGRAMMES دون أن تتسبب في عطالة واضحة وعطالة مستترة. كما يجب أن يكون إعدادنا للكوادر المدربة مرتبطاً بعلوم المستقبل كما نادى بذلك الدكتور الفين توفلر. لقد تم إنشاء كلية للدراسات البيئية وعلوم الكوارث بجامعة الرباط الوطني ذات ثلاثة أقسام: قسم دراسة الكوارث وقسم الحماية المدنية وقسم المنظمات، وهذه محمدة تضاف لجامعة الرباط الوطني، والكلية تسير وفقاً للنهج الذي أشرنا له، وعليه فإن إنشاء كلية للهندسة البيئية بجامعة المغتربين يدخل مفهوماً جديداً، ويحقق التمييز والريادة المرجوة لهذه الجامعة.