عزوف مزارعي الجزيرة عن زراعة القطن هذا العام وتقلص مساحته إلى أقل من النصف، لم يكن بالأمر المفاجئ، فهنالك عدة أسباب أدت إلى تراجع مساحات زراعة محصول القطن بالمشروع بالرغم من تصريحات وزارة الزراعة بنجاح الموسم الماضي وتحقيق إنتاجية عالية من المحصول، إلا أن المتابعات أفادت عكس ما جاد به قدح الوزارة وما حصده المزارعون من خسائر مادية جراء صدق نواياهم وتطميانات شركة الأقطان بتمويل المحصول التي ملكتهم السراب، حيث أكد مصدر مطلع بالمشروع ل «الإنتباهة» عدم التزام الشركة بما وعدت به المزارعين من تمويل المحصول، أجملها في الإعلان عن أسعار مجزية من قبل الشركة وسلفيات تساعدهم في الخروج بالمحصول إلى بر الأمان وتحقيق إنتاجية عالية، ليكتشف المزارع أنه أمام تحديات جمة في مواصلة ما رمى به من بذور في أرحام الأرض أو وأده قبل بروزه على سطح البسيطة، حيث أشار المصدر إلى ضعف الأرباح وحرمان إنتاجية «15» قنطاراً من الصرف وفي المقابل منح إنتاجية «18» قنطاراً ربحاً بلغ «900» جنيه وتجاهل قيمتها الحقيقية عمداً والبالغة «5» ملايين جنيه بالقديم. وعن دور الإدارة بالمشروع قال إن إدارة المشروع كانت وسيطاً بين المزارعين والشركة، وأضاف أن «7» قناطير لا تغطي تكلفة ربع الفدان الواحد مما يوضح حجم الكارثة التي آلت إليها مجموعة من المزارعين. وفيما يتعلق بالموسم الحالي ذكر أن التمويل هذا السنة تكفلت به وزارة المالية الاتحادية التي عجزت حتى الآن من تغطية تكاليف الزراعة وبالتالي التنفيذ ضعيف جداً في كوارث أخرى خلفتها أمطار هذا العام من غرق نسبة مقدرة من المحصول ولجوء المزارعين إلى إعادة زراعة القطن مرة أخرى مما ينتج عنه ارتفاع تكاليف الإنتاج، بجانب تأثر محصول الذرة بالأمطار وظهور كميات كبيرة من الحشائش التي تهدد نجاحه في ظل ارتفاع تكلفة التخلص منها، حيث بلغ سعر الجوال من الملح «250» جنيهاً. ويرى البعض أن ما نادت به قيادات المشروع من ضرورة أن تضع الدولة سياسات واضحة وجاذبة لزراعة القطن تظل أحاديث المناسبات تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة دون الوقفة الحقيقية والتفحص الدقيق لها من قبل المسؤولين الذين ظلوا يرددون كل فينة وأخرى أن المخرج الرئيس لأزمات السودان الاقتصادية هو الزراعة وتحديداً محصول القطن الذي ترتفع أسعاره عالمياً. والناظر إلى حقيقة تلك التصريحات يجد نفسه يقيناً يصنف تلك التصريحات بالمسكنات لتهدئة الجراح التي غارت في جسد المشروع دون وضع العلاج الناجع لها، في وقت تقع فيه المحاصيل الرئيسة بالمشروع كل عام بين مطرقة العطش وسندان التمويل اللذين يعتبران أساس الزراعة، حيث فقد المشروع العام الماضي مساحات مقدرة من إنتاج القطن بسبب العطش وضعف التمويل، عندما واجه أكبر أزمة له في تاريخه أدت إلى تدخل وزير الزراعة والري د. عبد الحليم المتعافي وقيامه بزيارات متكررة إلى المناطق التي تواجه المشكلة. رئيس الاتحاد العام لمزارعي الجزيرة عباس الترابي أكد عدم وجود عزوف من زراعة محصول القطن، وأبان أن المزارعين ليس لديهم اعتراض على زراعة المحصول، وأرجع الوضع الحالي إلى حاجة المزارعين إلى بعض مقومات نجاح الإنتاج، وأكد أن محصول القطن يعتبر من أهم المحاصيل الإنتاجية التي تعود بفائدة على المزارعين ويسهم بصورة فاعلة في الحركة الاجتماعية ومساهمته في الناتج القومي بمعدلات عالية، وكشف لدى حديثه ل «الإنتباهة» عن عكوف الاتحاد لوضع خطة جاذبة لإعادة محصول القطن سيرته الأولى وتحريك الإنتاجية الرأسية الراكدة لإنتاجية عالية عبر سياسات جاذبة لتوفير مدخلات الإنتاج من تمويل وسلفيات وأسعار مجزية للإنتاج، إضافة إلى تطور الإرشاد الزراعي وكيفية الزراعة في تواريخها المحددة، مشيراً إلى وجود مؤشرات مبشرة بإنتاجية عالية للقطن المحور وراثياً بالرغم من قلة المساحات المزروعة، داعياً لوضع خطة إستراتيجية تحرك الإنتاج الرأسي لمقابلة التكلفة. ويبقى أن محصول القطن من المحاصيل الحساسة التي تعوِّل عليها الدولة كثيراً في رفد خزينتها بالنقد الأجنبي لا سيما أن القطن السوداني ذو ميزة نسبية عالمية، ويجب على الدولة أن تعي أن ما يحدث الآن من تراجع في مساحته مؤشر خطير لضياع المحصول نهائياً من خريطة الموسم الزراعي.