بعبق الماضي التليد ونفحات تاريخ كردفان المجيد الذي أنجب ثلة المجد الساطع من أبناء وبنات كردفان (شمالها)، أناروا قاعة الشارقة يوم السبت (24/8/2013م) فأشرقت بنورهم فشكل ثريات جميلات ونجوماً سيارة تنير الدرب الطويل لمستقبل ولاية شمال كردفان والسودان. بوعي أدركوا الواقع فتجاوزوه فاجتمعوا برلماناً شعبياً لينقذوه، واستنفروا الهمم وتلاحقت الأفكار وتلاقحت فأنتجت نقداً موضوعياً لتشخيص الحال الذي يُغني عن السؤال، ثم تمخضت عنه وحدة الكلمة وشمولية الرؤية. تحدث الحضور فأبدعوا بإحساس عميق أنسانا الأحزان والتباين أو بالأصح التغابن والتناقص التنموي فكان واليهم جزلاً بهذا الحراك الرائع الذي بايعه بالصمت المدوي إجماعاً فكان النفير بحق. ومن كان يعيش لحظات جلسة النفير التاريخية في قاعة الشارقة بمعطيات كردفان يتقمصه إحساس العمق الوجداني النبيل، وتبادرت إليَّ العديد من الأسئلة والتساؤلات أبرزها، فيمَ الخلاف الحاد، وأين الاختلاف السياسي الطاهر من هذا الصراع السلطوي الجهوي القاعدي الذي جنى منه المواطن انحسار التعليم والخدمات الحيوية الأخرى وتدهورت البيئة ومقوماتها الطبيعية، فأصبحت أحلام الجهل تشكل الرغبات الهامشية بديلاً عن الطموحات الخلاقة للبناء والتنمية الإستراتيجية. وغاية الآمال لقروي مثلي في عصر GLOBAL EARTH الماء والتعليم أولاً وأخيراً وليس مزيداً من المباني والأبراج (إنها قصص السيد الوالي) ونرفع شعار المواطن يريد أن يتعلم ولو تحت شجرة جلوساً على الأرض بجدية يحملها المؤهلون المؤمنون برسالة العلم نجاحاً وتقدماً بالعمل والإنتاج في كل المجالات التكنولوجية والأكاديمية، والعلم يرفع أبراجاً لا عماد لها! وينشئ أجيالاً طموحاتها SKY THE LIMI. في ماضي العالم المتقدم وفي السودان كان إبداع الفنون بدأ بالمسرح المفتوح، ودور الرياضة بسياج البروش والصلاة على الأرض الطهور، والنفير في الوديان والسهول. والمشاركة في (الضرا) مع الجمهور الذي يشكل (النفير) الظهير الشعبي المتكامل في التكافل عملاً وإنتاجاً وصوناً لكرامة الأمة ونهضتها لبناء المستقبل وصناعة التاريخ تحت ضوء الشمس. إن جاز أن أختار من شذرات الحديث يوم النفير الظافر فأبدأ بمدير جامعة الخرطوم الأسبق بروفيسور محمد أحمد علي الشيخ، ذلك الأكاديمي العلمي الذي لم يكرر الكلام بل أثنى على بعضه، ثم أدلف إلى تقديم مقترحاته فأصابت اقتراحاته قرار السيد الوالي لتكوين اللجنة العليا لإنجاز مهام معينة ولفترة زمنية محددة بشهر برئاسة الدكتور المهندس سيد علي زكي الخبير الأُممي وزير المالية والاقتصاد الوطني الأسبق المتواضع بعلمه فنعم الاختيار خيار من خيار، وحري بود الشيخ أن يقف عند الحديث القيم جداً عن التعليم وما أدراك ما التعليم في كردفان الذي أدلى به الأستاذ المسلمي الكباشي فأبدع بتوصيفه رغم الاقتضاب فكان كاسمه حماساً واهتماماً بالقضية المحورية وقد تعرض لها كثير من المتحدثين. ومن الذين أثروا الحديث وأثروا النائب البرلماني المهندس عبد الرؤوف بابكر سعد عضو اللجنة العليا فكان فاكهة النفير، ومن يستمع إليه يحسبه أحد خبراء التجارة، ولا غرو فهو رجل أعمال قدم آراءً مبتكرة كما يجيد إخراج التراجيديا والكوميديا. أما ود القبة وهي من أعرق أحياء السودان يحسبها الذي أنجب بروفيسور عبد الرحيم السيد كرار الذي ذكرني بلباقته وطلاوة لغته الشفيفة المنسابة كانسياب اللبن من بين الفرث والدم صافياً ذكرني بالمرحوم بروفيسور غبوش ترتور الضاوي أحد رعاة العلم والثقافة وأحد الذين شاركوا في مؤتمر كادقلي للتنمية في (تَلَّو) برعاية حاكم الإقليم آنذاك السيد بكري أحمد عديل. وعندما كان بروفيسور غبوش يتحدث عن العلوم الاجتماعية والتاريخ تحسبه المرحوم بروفيسور محمد أحمد ود الحاج الذي يتلألأ عطاءً باسمه في منظومة (جينتس) العالمية. وبين عبد الرحيم وصحبه قاسم مشترك البيطرة والثقافة والطرافة فبطلاقة لسانه وبراعته التي داعبنا بها كما يداعب عطر الصندل الأحاسيس، فأينعت بها مشاعر الحضور فأوسعوا الخيال بهاءً وخصوبة وحد كلمتهم على قلب رجل واحد. ومن الذين أدلوا بدلوهم السيد اللواء الطيب عبد الرحمن فكان حديث ود البلد الأصيل لم يبخل بالمعلومات عن التنمية، إلا أنه عاب علينا عدم تفويج الوفود للخرطوم للمطالبة بالحقوق وهنا أقول إن شعب كردفان لا يشتكي، ففي الشكوى انحناء ونبض عروقه كبرياء. ويرجى من دولتنا الرشيدة أن تدعم قيم شعبها بالحفاظ عليها للنهوض بالأمة فالتخطيط العلمي والتنمية لهما معايير وأولويات ينبغي اتباعها عند التنفيذ بعيداً عن العصبيات والجهويات. ونحن نعتز بتاريخنا وحاضرنا فهما قوميا المذهب والمشرب. ثم تجول الكاميرات فترصد الإعلامي المتميز بلباقته دكتور عوض إبراهيم عوض وكأنما يشارك الفنان الذري في الإبداع، تحدث بمفهوم اعطني اعلاماً أعطيك أمة فكان متسقاً مع أطروحات السيد الوالي عن الآداب والفنون والرياضة والموسيقا. أما أيقونة النفير فكانت البرلمانية السيدة عبلة مهدي عبد المنعم المتبرعة بكل مكتبتها لصالح الثقافة في مدينة الأبيض والتبرع المالي أيضاً وقد ضمت بين طيات حديثها دور العمل الطوعي (NGOS) فأجزلت ولمست وتراً له رنين، وباسم منظمة قربان العالمية برئاسة السيد الفريق أول عبد الماجد حامد خليل قدمنا مذكرة (مختصرة) ستتبعها دراسات عن نقطتين أساسيتين عن الإدارة الأهلية كقطاع ثالث أي حلقة وصل بين القطاع العام والقطاع الخاص ودورها في دفع عجلة التنمية، والنقطة الثانية عن الإدارة MANAGE MENT بالإضافة إلى ستة مقترحات في مجالات الاقتصاد الاجتماعي، الخدمي والصناعي ثم التنمية البشرية، أبرزها مصنع الأسمنت بمدينة السميح، وسد مشروع الرهد الزراعي المنشأ في (1945م)، وصناعة المياه ثم التعليم ورعاية الخلاوي، وإعادة وتأهيل شركة شيكان للنقل بطرح استثماري صناعي تجاري متكامل. وإذا كنا ننشد التقدم والتطوير التنموي الحقيقي المستدام ينبغي الاعتماد على أجهزة إدارية مقتدرة بمكونات الأسس الأربعة وهي الإيمان والعلم، ثم الأخلاق والعمل (سلمت المذكرة للسيد رئيس اللجنة العليا). قبل أن يشمر الحضور في قاعة الشارقة لبدء معركة النفير، كانت لحظات الانتظار والترقب أشبه بإشراقة شمس الصباح الزاكي لصلاة الضحى وكأنك تقف عند الشرق مستقبلاً الغروب عند الغرب بذات ألوان الشفق الوردية والبرتقالية فكان المبتدأ والخبر جملاً مفيدة أطل بها الأستاذ أحمد محمد هارون أحد ولاة الغرب والي ولاية شمال كردفان فكان قلادة النفير التي لبسها الأغلبية العظمى استنطقتهم بما كانوا يعرفوه ويخبوه والمرء مخبوء تحت لسانه كما قال الكرار علي باب العلم كرم الله وجهه. قد نختلف أو نتفق مع الوالي لكنه جمع فطرح ثم جمع فأوعى فكانت نتيجة اللقاء عشرة على عشرة بامتياز وأرجو أن يحسب ذلك كسياسة وكياسة لحكومة الإنقاذ تستوجب الدراسة، ونحن نشارك بالحق وطلاب عدالة وطنية ناجزة نقول لمن يحسن أحسنت وكفى باللَّه وكيلا، وكلنا نعيش راحلين وتبقى الأعمال والأفعال الطيبة حسنات جارية تصب في الميزان يوم القارعة وأذكر من تسربلوا بالفارغة، وأقول كما يولى عليكم تكونوا وليس العكس. نتمنى للوالي أن يطل أيضاً بذهب المعز! وإن تعسر فبعلم علي وعزيمة وإرادة النفير (متوكلون على اللَّه تعالى بتجرد صادق) فما أكثر المصادر من الداخل والخارج ومن الباطن والظاهر، إنه التحدي الذي يسبق الإنجاز والإعجاز ويعني عندي الحسنات للتنمية المتكاملة والمستدامة التي تستطيع صياغة الإنسان السوداني على قيم الدين والوطنية. ثم كان حديث القلب الأخير وليس آخراً مسكاً وذهباً وعبداً صالحاً إنه عبد الرحمن سوار الذهب وفقه اللَّه تعالى لتحقيق ما وعد به ونحن على ثقة بذلك. في هذا المقال وردت بعض العبارات لا يعيش كنهها إلا من الذين شاركوا في النفير لأنه كان لوحة ممزوجة بكل شيء أصيل وجميل بأغلى الكلام وأصدق المشاعر كلوحة الدرت بحلة السندس القمري يشوبه المرح والفرح والسرح وجدية الحصاد. أقول للإخوة والأخوات الأعزاء كنتم كلكم على قلب والٍ واحد، واختياري للحديث عن هذا العدد القليل من المتحدثين أشبه باصطيادي لبعض اللؤلؤ المكنون في صدف من قاع البحر لكن ما زال البحر يزخر بكم ويحتفظ بالأغلبية من اللؤلؤ. وجدير بالذكر في هذه السانحة أن أبناء كردفان أول من بادر واحتفل وأشاد وأمن على إعلان قيام الحكم الإقليمي الذاتي في القرن الماضي، احتفلنا بذلك في قاعة الهلتون، ومن الحضور آنذاك أن تسعفني الذاكرة الاقتصادي البهلول والإداري الحصيف السيد إبراهيم منعم منصور الذي أبطل قرار نادي باريس القاضي بإعلان إفلاس السودان وقتئذ، ومن الحضور المشير عبد الرحمن سوار الذهب وحاكم الإقليم الشمالي بروفيسور عبد الله أحمد عبد اللَّه وحاكم إقليم دارفور اللواء الطيب المرضي والعميد عبد الله محمد آدم قائد سلاح الإشارة، ثم المؤسسين لإقامة الحفل التكريمي لتجسيد الحكم الإقليمي على أرض الواقع الباشمهندس أحمد محمد تكروري جودة سودانير وبروفيسور محمد أحمد علي الشيخ. ومن الحضور أيضاً رجل الأعمال العصامي السيد إبراهيم محمد النيل وصنوه السيد عبد الكريم حسين جعفر والسيد مكي الأمين سليمان وأيضاً محافظ بنك السودان الأسبق والمدير التنفيذي للبنك الدولي الاقتصادي الأممي السيد إسماعيل المصباح مكي، ودكتور شريف التهامي وزير الطاقة حينئذ والسيد محمد أحمد جحا وزير الحكم المحلي لإقليم كردفان وهنا لا ننسى ذكر رجل الدولة المميز بالدقة والتنظيم الفريق الفاتح محمد بشارة حاكم إقليم كردفان رحمه اللَّه حيث كانت حكومته من التكنوقراط أو المهنيين وأذكر منهم العالم الزاهد بروفيسور التاج فضل اللَّه عبد الرحيم والذي قدم دراسة عن مستقبل الزراعة والغابات والصناعة التحويلية لمؤتمر كادقلي ثم صاحب مبادرات دعم النازحين وإيوائهم إبان فترة الجفاف والتصحر دكتور الفاتح محمد التجاني وزير المالية كما لا ننسى السيد إدريس أحمد فدوس صاحب القدح والقِدح المعلى لتكريم مصابي كوارث الجفاف رحمه اللَّه.