كنت خارج السودان حينما تداعى نفر كريم من اصحاب الشأن العلمي والاهتمامات البحثية الى قاعة الشارقة بالخرطوم للتداول حول كتاب (يوميات رحلة الى مروي في سنتي 1821 و 1822) لمؤلفه الرحالة الفرنسي رينان دو بلفون ترجمة الشاب النشط والاديب المترجم الاريب د. فضل الله اسماعيل علي صاحب اشهر كتب الترجمة في مجال ادب الرحلات ومدير ادارة البحوث والتخطيط والتنمية بجامعة السودان المفتوحة ، نعم فاتتني تلك الجلسة الثمينة ولكن الحمد لله لم تفتني بركاتها التي ظلت عالقة بأذهان البعض ممن تحدث لي بل وموثقة عبر التقنيات الحديثة بواسطة شباب جامعة السودان الناشطين في ادارة الاعلام فتحصلت على مادة الجلسة بالصورة والصوت وتابعت مجرياتها وكأني كنت حاضراً . ان الحديث عن أدب الترجمة يقودنا للحديث عن أدب الرحلات والتأمل في سيرة حياة أولئك الرحالة القدامى الذين جابوا البلدان والفيافي وسجلوا عبر الكتابة والرسم تفاصيل حقب انسانية كانت تعج بالحركة قبل ان يطويها الزمان وتدفنها رياح السنين الحثيثة وحينما يترجم المترجمون مخلفات أولئك الرحالة فهذا يعني ان المترجم هو آلة الزمن التي تعبر بنا خلف تخوم ركام السنوات وتجوب بنا القرون لنطلع على حياة السابقين الاولين ونستمتع بمعرفة الاجابات عن اسئلة ظلت تسكن حيرتنا دون ان نجد لها اجابة ، نعم ان جلسة قاعة الشارقة التي أمها عدد كبير من الاساتذة الكبار من مؤسسي جامعة السودان المفتوحة امثال البروفيسور عبدالقادر محمود ود. علي قسم السيد ود. احمد الطيب محمد الذي يعتبر مدير جامعة السودان الاول بحسب اعترافات بروفيسور عبدالقادر محمود الذي حفظ حتى لمعلميه الاوائل حقهم ومقاديرهم كما هي عادة العلماء الأجلاء . كانت الجلسة محضورة بكل ما تحويه الكلمة من معاني ويكفي ان ما سمعته من التسجيلات ان ترجمة د. فضل الله اسماعيل لكتاب الرحالة رينان دو بلفون لفتت نظر البعض الى حقائق تاريخية مهملة فالمؤلف كشف عبر التوثيق الصادق لكافة تفاصيل لحظاته التي قضاها في شمال السودان عن آثار اسلامية ما تزال قائمة بإنتظار الإحتفاء لانها كانت موجودة لحظة مرور المؤلف قبل نحو قرنين من الزمان ولعل هذا ما جعل العلامة د. صديق نابري يناشد من يهمهم الامر اعادة تأهيل مسجد منصوركتي بالولاية الشمالية باعتباره من الآثار الاسلامية التي ظلت قائمة لمدى قرنين بشهادة الرحالة الفرنسي . ان مداولات الحضور في قاعة الشارقة كشفت عن تحديات كبيرة تواجه حركة الترجمة في السودان ورغم اجتهاد إدارة جامعة السودان المفتوحة في لفت الانظار لاهمية الترجمة في مسيرة الشعوب المتطلعة نحو المستقبل الزاهر الا انه ما تزال المفاهيم المجحفة السائدة حول أهمية المترجم ومراجع الترجمة تطغى على الاوساط العلمية حين الحديث عن من صاحب القدح المعلى والجهد المضني في إمتاع القراء المؤلف أم المترجم ؟ ان الترجمة هي فن صياغة الاحداث كما كانت مشاهدة لدى المؤلف وبرأي ان الابداع يكمن هاهنا ولذلك وصفنا المترجم بآلة الزمن - طبعا لم يبتكر الانسان بعد هذه الآلة ولكن ربما في المستقبل - ولذلك يبقى الجهد الكبير الذي بذله د. فضل الله اسماعيل في ترجمة الآداب الانسانية محط اهتمام العلماء والاساتذة الاجلاء الذين يعرفون مقادير الرجال ويقدرون ويدعمون حركة البحث العلمي ولعل هذا ما برز من ادارة جامعة السودان المفتوحة التي تعتبر اول جامعة في الوطن العربي تعطي المترجم عن ترجماته الدرجات والترقيات العادلة وتقدره التقدير اللائق بما يسهم في دفع العملية العلمية نحو المزيد من النجاحات.