نبدأ بحكاية الطرفة التي تقول إن جماعة من المعاشيين كانت تقضي كل يومها تحت «ضل» الحيطة وأمام الباب الكبير بتاع أكبرهم سناً... وفي مرة من المرات شاهدوا «خواجة» وهو يلبس فنيلة رياضة ويرتدي لباساً من الكاكي.. وينتعل كدارة.. ومعها شراب «أبو أستك».. ويجري ويجري ويجري وهو يلهث وينطط على طول شارع الزلط مارّاً من أمام منزل المجموعة.. وسأل أحدهم الآخرين قائلاً «ماذا يفعل هذا الرجل؟!!» فردوا كلهم قائلين «إنه يتريّض.. إنه يمارس الرياضة.. إنه خواجة». وبعد مدة مر عليهم سوداني وهو يلبس نفس الفنيلة وينتعل الكدارة ويلبس شراب «أبو من غير أستك».. ويجري ويجري ويجري وينطط.. وهو عرقان.. ومر من أمامهم محاذياً للزلط.. وعلى خلاف الخواجة فإن الرجل سلم عليهم.. وسأل أحدهم الآخرين قائلاً «ماذا يفعل هذا الزول»؟!! وردُّوا عليه جميعاً قائلين «ده زول مجنون ساكت»؟!! يعني يا جماعة لما الواحد يكون خواجة ويلبس ويجري يقال إنه يتريّض وعندما يكون سوداني ويفعل نفس الشيء يقال أنه «مجنون ساكت». والزملاء في شركة «مساعي» قاموا أمس بالاحتفال بافتتاح مصنعهم الخاص بانتاج الصمغ العربي بثلاثة خطوط تقليدية يعقبها خط رابع لإنتاج البدرة الرذاذية التي تمثل طفرة نوعية لم تسبقها غير تجربة واحدة فقط.. يعني «زيَّهم وزي الخواجات».. وإذا كنا نقيس بطريقة أهلنا السودانيين سنقول إن الخواجات هم أول من أسس لمصانع الصمغ العربي في البلاد.. وعندما جاء سودانيون «زي ناس مساعي» سوف نقول إنهم مجانين ساكت. ومع التهانئ الحارة للأخ عمر بشير صاحب شركة مساعي وزملائه، كان لا بد أن ننظر إلى هذه الإضافة الصناعية من زاوية قد لا ينظر منها الكثيرون.. وربما أن الأخ عمر نفسه قد يغيب عليه النظر من ذات الزاوية ويصبح حاله مثل حال ذلك الشاكي الذي ذهب إلى المحامي ليكتب له عريضة يشكو فيها عمدة البلد الذي ظلمه في أحد الأمور.. وقام المحامي بتحرير الشكوى معنونة إلى القاضي المدني.. شارحاً فيها ما لم يكن الشاكي قادراً على وصفه.. وعندما تلاها عليه صار الشاكي يبكي ويقول إنه لم يكن يعلم أنه كان مظلوماً بهذا القدر، وأنه قرر اللاّ يشتكي العمدة بل سيذهب ليقتله عديل كده. وسوف نحكي بعضاً مما قد لا يكون في خاطر وفي ذهن السيد عمر وأسرة مصنعه.. فهذا المصنع يا «ناس مساعي» طاقته خمسة عشر ألف طن صمغ خام، وإذا عملتم في حدود خمسة آلاف طن فقط في العام فهذه الأصماغ لكي تشتروها من كردفان أو دارفور أو القضارف تحتاجون أن يقوم المزارعون بطق عشرة ملايين شجرة في الحد الأدنى في هذا الموسم.. لكفاية مصنعكم وحده.. يعني يا جماعة سوف تساهمون في «تحريك» نشاط ما لا يقل عن عشرين ألف مزارع يكون إنتاجهم موجهاً إليكم على وجه التحديد.. وهذه الكمية يا جماعة تحتاج إلى الترحيل من النهود أو الأبيض أو نيالا على لواري، وتحتاج إلى ستمائة لوري لشحنها.. وهذا يا ناس «مساعي» يعني أنكم ستقومون بتحريك اقتصاد ستمائة «مالك» لوري.. وستمائة سواق لوري وستمائة مساعد لوري.. وعلى الطريق سوف يقف بتاعين اللواري ليأكلوا ويشربوا خلال أيام الترحيل، ولنقل أنها ثلاثة في ثلاثة وجبات.. يعني 600 لوري * تسعة وجبات * 10 آلاف جنيه للوجبة. هذا إضافة إلى أربعة براميل جازولين لكل لوري. وسوف تحتاج هذه البضاعة إلى ثلاثمائة عتّالي لكي ينزلوها من اللوري في المخازن.. وتحتاج نفس البضاعة إلى «بنات النظافة» و«بنات التصنيف» في المصنع.. وكل واحدة تستطيع فقط أن تنظف وتصنّف جوالاً واحداً كل يوم.. هذا يعني أنكم تحتاجون إلى أكثر من مئتي امرأة لأعمال النظافة.. ولمدة عام كامل.. بعد ذلك سوف تقومون بالتشغيل والتصنيع بما لا يقل عن مئة فني وعامل مدرب.. وسوف تحتاجون إلى ستمائة لوري لشحن البضاعة لبورتسودان.. ثم تحتاجون إلى مئتين وخمسين حاوية للشحن البحري.. وهذا نوع آخر من أنواع العمل.. وتحتاجون إلى أعمال التأمين.. وتحتاجون أيضاً إلى تشغيل مجموعة من البنوك لتحصيل العائدات.. وسيتمتع العالم بصناعة المشروبات والأغذية والأدوية وتعود على بلادكم خمسة عشر مليون دولار هي قيمة خمسة آلاف طن.. ويتزوج العمال والعاملات والموظفون والموظفات ويخلفون صبياناً وبنات. هذا بالمنطق يعني أنكم «أولاد حلال» وأنكم تستحقون الشكر والتقدير، وأن على وزير التجارة ووزير الصناعة أن يسهل مهامكم.. وعلى ناس البنوك أن يرعوكم ويمولوكم.. وهذا العمل أفضل مليون ألف مرة من تمويل ناس «تجار الدولار» وتجار العربات وناس «الملص» والكسر والكتفلي والعمولات، وهذا هو العمل النافع .. يعني يا ناس مساعي «إنتو زي الخواجات» وإنتوا ما مجانين.. بل انتو أحسن من الخواجات.. فألف مبروك للمصنع والشركة.. وألف مبروك لوزير التجارة الخارجية ووزير الصناعة بإضافة مصنع جديد للصمغ العربي، ليصبح عدد المصانع العاملة ثمانية عشر مصنعاً.