{ كل جنحة لها عقوبة وليس من العدل في شيء أن تتعدَّد العقوبات لجنحة واحدة. «من أقوال السلف الصالح» عندما كنا طلبة بالكلية الحربية كان في زماننا قانون جزاءات الطالب الحربي قاسياً وشديداً وكان يجانبه العدل في الموازنة بين ما ارتُكب من جنحة وبين ما يوقع من عقوبة. كانت الجنحة الواحدة إذا ارتكبها الطالب توقع عليه سبع عقوبات كل منها في شدتها عقوبة قائمة بذاتها تكفي لتكون رادعة لمرتكب الجنحة أن يكرر ارتكابها. مع العلم أن الجنح التي تقع تحت طائلة لائحة الجزاءات جنح موقتة بزمان فترة التدريب، وبعد تخرج الطالب ضابطاً مسموح له بفعلها. وحتى أوضح للقارئ ذلك أذكر هذا المثال: «غير مسموح للطالب الحربي ارتداء الزي المدني طوال عطلة الأسبوع وإذا فعل ووقع في يد أحد المعلمين أو القادة يصبح مرتكبًا لجنحة يُعاقَب عليها» انتهى. هذا جيد، والهدف من ذلك ضبط تحركات وسلوك الطالب أثناء العطلة وأن يكون الطالب ببزته رمزًا في الهيبة والانضباط ومحافظًا لاحترام الناس له. ولكن ما هي العقوبة التي كانت في الماضي تُوقع على مرتكب الجنحة إذا وقع في يد ضابط أو قائد: 1/ يعود الطالب للكلية الحربية ويبلغ للضابط المناوب في نفس اليوم. 2/ حلاقة شعر الرأس «صلعة» 3/ «4» أيام حرمان من المرتب. 4/ «7» أيام حجز قشلاق «بالمعسكر» 5/ ساعة طابور ذنب يومياً. 6/ خصم «4 + 7» درجات من درجات المواظبة 7/ «7» أيام حبس يدخل فيها الحرمان من الخروج نهاية الأسبوع. «هذه إضافة للتأثير المعنوي والنفسي والنظرة السلبية للتعلمجية على الطالب باعتبار أنه طالب «ملخبط» وكذلك التأثير الكبير المحتمل جراء خصم «11» درجة على أقدمية التخرج». { الشاهد أن هذا التشدُّد في العقوبة تمت مراجعته وتعديله نهاية الستينيات وحدث ذلك عندما التقى نائب القائد العام اللواء حمد النيل ضيف الله رحمة الله عليه بالدفعة عشرين في الكلية الحربية أيام تخرجها وقد شكا الضباط المتخرجون من شدة تلك العقوبات وتأثيرها على أقدمية عدد كبير منهم. اجتمع نائب القائد العام بإدارة الكلية الحربية وكان قائدها العقيد تاج الدين حمد «رحمة الله عليه» وتم بعد ذلك مراجعة تلك العقوبات وتعديلها وأصبح ذلك من ذكريات الكلية الحربية بين خريجيها. والحديث عن ذلك أصبح ذا شجون بين أبناء الدفعة وبينهم وبين المعلمين والتعلمجية بعد التخرج وإلى يومنا هذا. تذكرتُ تلك الأيام وقد كنتُ ضحية لتلك العقوبات المتعددة على جنحة ارتداء الزي المدني أكثر من مرة، تذكرتُ ذلك عندما اتصل بي أمس الأول مندوب الصحيفة من المطبعة يبلِّغني بأن مندوب جهاز الأمن صادر عدد «الإنتباهة» رقم «2700» ليوم الخميس 19/9 بعد الطباعة بدون إبداء أي سبب للمندوب وتم التنفيذ وغابت الصحيفة عن الصدور يوم الخميس. { لا شك أن هناك سببًا تعلمه الجهات التي أمرت بالمصادرة وأن القائمين بأمر الصحيفة ارتكبوا جنحة تستحق العقوبة في نظر جهاز الأمن. وهذا شكلاً مقبول طالما أن هنالك خطأ ارتُكب وجنحة اغتُرفت فهنالك عقوبة ستُوقع، بحق أو بغير حق، بإجراءات قانونية أو بغير إجراءات، بإخطار مسبق بالجنحة أو بغير إخطار، اعتدنا على ذلك ونتحسب له حماية لمقدراتنا، ولكن ليس ذلك من العدل في شيء. فالخطأ الذي وقعت فيه الصحيفة وأدى إلى مصادرتها ترتب عليه سبع عقوبات عندما صودرت الصحيفة بعد الطبع تمثلت في الآتي: 1/ عشرات الآلاف من الجنيهات تدفعها الصحيفة للمطبعة نظير الورق والأحبار والبليتات والطباعة. 2/ تكلفة مالية كبيرة صرفتها الصحيفة لأعداد العدد المصادر. 3/ على الصحيفة إعادة قيمة الإعلانات لأصحابها أو إعادة نشرها وهذا يكلف الآلاف من الجنيهات. 4/ تكلفة مالية كبيرة على إدارة التوزيع لمنصرفات على أجرة العربات والعمال الذين حضروا ليلاً لاستلام وتوزيع الصحيفة. 5/ فقدان الصحيفة لمورد مبيعاتها ذلك اليوم وهو الأساس لتغطية كل المنصرفات الموضحة أعلاه. 6/ فقدان الصحيفة لعدد من قرائها المواظبين 7/ التأثير المعنوي السلبي الكبير عل الصحفيين والكتاب والإدارة. إذاً هذه عقوبة متعددة على جنحة واحدة ينطبق عليها قول السلف الصالح الذي ذكرناه. وتعليقاً على بعض تلك الإجراءات نقول: أولاً: مصادرة الصحفة «أي صحيفة» بعد طباعتها بكميات كبيرة فيه إهدار للمال العام للدولة إذ أن الورق ومدخلات الطباعة تُستورد بالعملة الصعبة وبشق الأنفس. ثانياً: الأضرار التي تلحق بالمعلن في ذلك اليوم قد تكون كبيرة وبينهم مستثمرون ومؤسسات دولة إذ إن الإعلان قد يكون مرتبطًا بزمان ومكان خلال اليوم الذي صودرت فيه الصحيفة. ثالثاً: ما تم من تحضير للمواد والمقالات معلوم أنه يكلف الصحيفة مالاً ووقودًا ووقتًا وبمصادرة الصحيفة يصبح ذلك إهدارًا للموارد والإمكانات. رابعاً: مصادرة الصحيفة في ذلك اليوم يؤثر تأثيراً كبيرًا على دخل كثير جداً من الأسر التي تعتمد على عائد مبيعات الصحيفة في معيشتها. فتخيل أخي القارئ الكريم الجيش الجرار من أصحاب المكتبات وصبيان بيع الجرائد في الأسواق والطرقات، فكم بذلك أمست جيوب خاوية. خامساً: إن إجراء المصادرة بعد الطبع وما يتبعه من إفرازات مالية ونفسية ليس على الصحيفة والقائمين بأمرها فقط يأتي بنتيجة سلبية وموقف عدائي تجاه الجهة التي قامت بالمصادرة. { أختم قولي إنه لا اعتراض على العقوبة على حنحة أو مخالفة ارتُكبت ولكن على القائمين بالأمر مراعاة ألّا تكون العقوبة أو الجزاء متعددًا على حنحة واحدة. { إن مجرد إخطار الصحيفة قبل الذهاب للمطبعة بعدم الصدور حتى ولو كان بقليل، في حد ذاته جزاء رادع ومكلِّف ومؤثر على الصحيفة وتترتب عليه كثير من النقاط التي ذكرناها ولكن فيه قدر من العدل إذا كان هنالك جنحة ارتُكبت أصلاً تقع تحت طائلة القانون!! { إن الصحف اليوم تعيش أسوأ ظروف تمر بصناعة الصحافة في تاريخها وإداراتها تشكو لطوب الأرض ما هي عليه وبعضها يحسب أنكم من الذين يشكون إليهم، فهل من شكية بعد الطبع؟؟ «أعتقد أن معظم الزملاء من ضباط الأمن هم من خريجي الكلية الحربية ولكن في زمن تعدَّلت فيه لائحة العقوبات».