في العام الماضي تقريبًا رافقت زميلي وصديقي أحمد التاي لحظيرة الدندر للوقوف على بعض القضايا هناك. لم يكن (التاي) ابن المنطقة يتوقع أن أصمد معه في الطريق (الرديء) رغم سيارتنا (الفارهة) المستأجرة التي قدمنا بها من الخرطوم. الطريق من الدندر المدينة للحظيرة يحتاج (للياقة) عالية جدًا إلى جانب الصبر الطويل على صعوبة الطريق. أكثر ما أدهشني في تلك الزيارة هو إهمال الدولة ووزارة السياحة لتعبيد الطريق إلى حظيرة الدندر الرافد السياحي المهم في السودان. وأكثر ما قصر علينا طول الطريق هو حكايات التاي عن فترة صباهم وهم يستقبلون (الخواجات) القادمين للاستمتاع بحيوانات الدندر التي تعيش بحرية كاملة داخل الحظيرة. ولكن دهشتي تلك زادت خواتيم الأسبوع الماضي وأنا أرى ذات الطريق على حاله مع وضع بعض اللمسات (الطفيفة) من معتمد الدندر لتوفير خدمة الطرق لقرى محليته. الطريق إلى الدندر يجب أن يكون همًا قوميًا لوزارة الطرق ولوزارة السياحة ولولاية سنار التي من المؤكد أنها سوف تستفيد كثيراً من الخواجات القادمين للدندر لصرف (دولاراتهم) في قلبها. على الرغم من اختلاف طبيعة هذه الزيارة للمحلية التي اشتهرت بثروتها الحيوانية الأليفة منها والمفترسة من الزيارة السابقة إلا أننا لم نجد اختلافات كثيرة تذكر على الأقل فيما يختص بتعبيد طريق الحظيرة. ففي المرة السابقة كانت الزيارة لتداخل بعض المشروعات الزراعية في حرم الحظيرة وهذه الزيارة أيضًا كانت تخص المشروعات الزراعية ولكن التي (دخل) عليها نهر الدندر (بفعل فاعل) كما قال لنا أبو القاسم حسن معتمد الدندر. جناين وحواشات كثيرة غمرها الفيضان وخسر الكثيرون أموالهم التي وضعوها للزراعة. أحد المزارعين قال إنه وضع جميع أمواله التي جلبها من رحلة الذهب في الزراعة فضاعت ولم يجد ذهبه الأحمر ولا الأخضر. الكثير من المواضيع وقفت عليها (الإنتباهة) خلال هذه الزيارة ووثقت لها بالكاميرا مع (التربالة) الكادحين الذين غدر بهم (الدندر). سنتناول كل المواضيع التي وقفنا عندها بمهنية عالية.. ولكننا نصرخ في وجه الدولة بضرورة تعبيد الطريق إلى الحظيرة. فذاكرة أهلنا في الدندر ما زالت تحتفظ بصور (الخواجات) وهم يشدون رحالهم من بلاد (الفرنجة) لديار الدندر لمشاهدة أجمل المناظر الخلابة هناك. وقبل الحظيرة فإن فوائد هذا الطريق لا تحصى ولا تعد ومن المؤكد أن المستفيد الأول هو المواطن البسيط. وبهذا الطريق لا يحتاج أهلنا الكادحون إلى نقل مرضاهم عبر (الترترات) في الخريف لإيجاد العلاج الناجع. إن الطرق المعبدة هي أساس التنمية، وما نشاهده في أرياف وبنادر بلادنا فإن التنمية في السودان تحتاج للكثير. ولا يعقل أن يكون هناك مواطنون ما زالوا ينقطعون عن عواصم ولاياتهم بسبب الخريف. ولا يعقل أن يكون محمد أحمد الكادح يحلم بأن يجد وسائل نقل لعلاجه وأسرته بطرق لا يخشى فيها انقطاعه بسبب الأمطار. فهل لنا أن نحلم بشبكة طرق تربط جميع أنحاء السودان مدنه وقراه؟. أم نظل نحلم بذلك دون أن يتحقق شيء في ظل (القطط السمان) التي ملأت البلاد؟. طريق الحظيرة حلم يراود الكثيرين ونرجو أن نشهده يتحقق قريباً.