في ظل الأزمة الخانقة التي نمر بها ظل صديقنا الذى يسمى الجنيه السودانى فى هبوط مستمر بينما واصل الدولار صعوده على اكتاف أكثر من 7 جنيهات تمثل درجات السلم التى ظل الدولار يصعد عليها في ميزان ريختر الاقتصاد السوداني.. ولا نعرف الى اين يقود ذلك السلم؟ كل الذى ندريه أنه يقود الدولار الى اعلى وينحدر بالجنيه السودانى الى اسفل. قلت لصاحب بقالة: اديك مية جنيه... تدينى شنو؟ اجاب : اديك الباقي. وهكذا تحولت كل جنيهاتنا الى كسور وبواقى ولذلك فقد شكرنى احد الاصدقاء والذى كان يشكو من ان راتبه لا يكفيه لانه يفقد قيمته يومًا وراء يوم. فقلت له: ماهيتك كم؟ قال :700 جنيه قلت كويس .. شيل القروش بتاعتك دى واشترى لمبات وفيوزات وبلوتينات وحاجات من هذا القبيل قال وهو لم يفهم شيئًا: طيب واتصرف من وين؟ افرض عايز اشترى علبة لبن.. قلت: ايوا... هنا تظهر العبقرية . تقوم تاخذ واحد فيوز تبيعه وتشترى بثمنه اللبن .. لأنك لو خليت ثمن اللبن قروش.. بعد يومين ما حتجيب ليك اللبن .. لكين لما تخليها فيوز .. حتلقى انو الفيوز ثمنه كل يوم فى ازدياد.. ويمكن تبيع لمبه وتشترى نصف كيلو لحمة .. وهكذا. ومن يومها وصديقى لا يشكو من عدم مواكبة راتبة للأسعار. وهذا يدل على ان ورقة الجنيه غير مبرئة للذمة بل ما عندها ذمة ولا تساوى شيئًا ولكن الفيوز او البلوتين هو المبرئ للذمة .. ولذلك فإن نظريتى الاقتصادية تقول إنه من الأصوب والأحوط لكل شخص ان يحول راتبه الى عملة بديلة تتكون من عدد من الفيوزات والافياش واللمبات وحنفيات المياه وسيور المكنة والسوستات واشياء من هذا القبيل المحتفظ بثمنه وبكينونيته التجارية. اما الاحتفاظ بالنقود فى شكل عملة ورقية فإنه لا يقود صاحبه الا الى فقدان ونقصان مستمر .. فقد اتضح ان الجنيه السودانى مثل النفتلين ينقص اذا تعرض للهواء. فى الزمان القديم كان القرش يشكل حضورًا دائمًا فى الاسواق .. حتى إن الناس قالو إن القرش الابيض ينفع في اليوم الأسود ولكن قرش هذه الأيام لا ينفع فى الثانية السوداء ناهيك عن اليوم الاسود .. وقد دلت التجارب انه لا ينفع فى اليوم الاسود الا السوق الأسود .. فاتعظوا يا اولى الالباب. صديقى الشاعر الكبير شمس الدين حسن الخليفة وقف ذات يوم على اطلال دار الخزانة وهو ينشد: بين بنوكنا الماضية وبين بنوك اليوم: يا حليلو جنيهنا الصار ورق مردوم ***** كان زمان بالميت يجيبلو كم دولار وكان جيوبنا تكشكش وتملا قفه خدار هسه راح فى داهية ونورتو راحت وصار آلافو تملا القفة ونص جيوبنا خدار ***** عهدا قريب ماطول كنا بيك نختال كنت يوم الحنة يجوكا بالشبال هسة شوف الافك مابتستر حال لابتفرح شاحد ولا بتسر اطفال ***** بين بنوكنا الماضية وبين بنوك اليوم خليك دوام في وجعة وابك يا محروم ***** وللحقيقة والتاريخ فان القرش السودانى الابيض كان يفعل الاعاجيب حتى ان خمسة منه كانوا فى يوم من الايام يشترون قطعة ارض حدادية مدادية ..وقد سمى حى ابو خمسة فى مدينة الابيض بهذا الاسم لان سعر القطعة كان يساوى خمسة قروش.. ولكن تعاقب الازمان على ظهر ذلك القرش حوله الى عملة محدودبة الظهر تسمى الدينار ثم الجنيه تنوء تحت وطء الاقتراض من النظام المصرفي.. ولا يسندها انتاج كاف ليقومها .. وحسب العملة انتاج يقوِّم عودها .. ومن اين يأتى الإنتاج وعلاقات الإنتاج تتأرجح تحت قوانين اتحادية وقوانين ولائية متضاربة..؟ المزارعون وجدوا ان خير انواع الزراعة .. هى زراعة احلام الهجرة فى عقول ابنائهم .. فأصبحت زراعة الاغتراب هى اسلم انواع الزراعة لانها على الاقل لا تدخل اصحابها السجون .. والصناعة وما ادراك ما الصناعة .. تواجه تضاربًا فى الاعفاءات للمواد الخام او رفع تلك الاعفاءات .. وغيرها من مساحات الانتاج الاخرى التى تقلصت مفسحة الطريق لآلاف المهن الطفيلية وجيوش غير نظامية من السماسرة .. هذا اذا جاز لنا ان نتساءل: - وماذا ينتج السمسار؟ الاف الطلاقات والحرامات .. هى كل معدات الشغل لديه.. فهل هذا انتاج يعيد للجنيه السودانى تاريخه او لمعته ونضارته. وقد أدرك السيد محافظ بنك السودان هذه الحقيقة ولذلك لم يثبت على فئات العملة أنه يتعهد أن يصرف لحامل السند قيمة السند عند الطلب هل لحظتم ان الجنيه السوداني هو الوحيد من بين العملات لا يحمل تعهداً و«منين يا حسرة» او كما يقول المسلسل المصري.