المتأمل بعمق تحليلي للتقرير الجنائي للعام 2013م والذي قدمته الداخليّة لمجلس الوزراء يلحظ أمراً مهماً وهو تعلق ارتباط الجريمة الوثيق بالحالة الاقتصاديّة وبالفقر والعوز، إذ شكّلت جرائم السرقات والنهب والتعدي نسباً كبيرة بالتقرير، فمجمل البلاغات الموضحة بحسب التقرير بلغ (60.343) بلاغًا منها (15706) بلاغات ارتُكبت بواسطة الأطفال، وهذا مؤشر خطير لانشغال أولياء الأمور آباء وأمهات عن أطفالهم بتوفير لقمة العيش، وانصرافهم عن ضرورات التربية وكبح الجنوح. نلحظ أيضاً أن جرائم الأموال كانت الأكثر تدويناً وشكّلت «34.5%» من الإجمالي العام، وهي جرائم مبنيّة على الفساد والسرقات والاحتيال وهو نتاج حتمي وإفراز طبيعي في صراعات البقاء على الحياة وإن كانت مهينة، ومعلوم أن أساس هذه الجريمة يرتكز على السرقات، الناتجة في الغالب الأعم عن الحاجة الماسة. بالتقرير أيضاً جزئيّة مهمة تتعلق بظاهرة النيقرز حيث أشار التقرير إلى أن المقبوض عليهم «20.118»، وعزا التقرير الظاهرة إلى تلقّف هذا السلوك لدى بعض الشباب في الأحياء الطرفيّة ودفعهم إلى ذلك ظروف العطالة والفقر وتقليد ما يشاهدونه في وسائل الإعلام، ثم تدخل المرأة بشكل غير لطيف إلى عالم الجريمة التي شكلت نسبة «12.5%» من إجمالي الجرائم المدونة خلال العام 2012م، وزادت خلال العام مقارنة مع العام السابق بنسبة «4%»، وشملت الزيادة بلاغات جرائم النفس والجسم والأموال والطمأنينة العامة، مع انخفاض بلاغات جرائم الآداب العامة والقوانين الأخرى. ويقول علماء الاجتماع إن انتشار الجريمة في المجتمعات الإنسانية يؤدي إلى فرض تحديات على صانعي القرار ومنفذيه وتشير الدراسات إلى أن الظواهر الاجتماعية التي لها صلة قوية بالمستويات الاقتصادية المتدنية والتي تلعب بدورها دوراً كبيراً في دفع الفرد إلى ممارسة الجريمة هي ظاهرة الفقر وغالباً ما يصنف علماء الاقتصاد الفقر على أنه مدخل اقتصادي أساسي في تفسير الجريمة، وصلة الفقر بالجريمة ليست صلة حديثة، فمنذ فترة طويلة أكد الفلاسفة والمصلحون الاجتماعيون أن الفقر يلعب دوراً مهماً في دفع الفرد إلى ممارسة الجريمة، وقديماً أيضاً قال سقراط (إن الفقر هو أبو الثورة وأبو الجريمة) وقيل حديثاً إن جرائم الفقراء وجرائم الناس المسلوبي القوة غالباً ما تكون بسبب السخط والكره تجاه الأغنياء وأن الفقراء قد يُحملون حملاً على ممارسة الجريمة من أجل توفير الغنى والثروة، وهذا يعني أن ظروف الفقر اللاإنسانية هي التي تخلق من بين الفقراء من يتجه إلى ممارسة الجريمة. لذلك فإن مسألة رفع الدعم التي تعتزم الدولة تطبيقها ستوسع بلا شك دائرة الفقر، وبالتالي دائرة الجريمة لذلك على صانعي القرار أن يضعوا ترتيبات لتخفيف حدة الفقر من خلال إيجاد مشروعات حقيقية وأن يبحثوا في بدائل منطقية. أفق قبل الأخير ستكون خسائر ما وراء الجريمة أكبر من الدعم الذي سيرفع وسيرفع معدلات التقرير الجنائي للعام «2013م». أفق أخير على الشرطة أن تحترز لكبح جرائم الفقر قبل جرائم الشغب.