لا أظن أن اتحاداً أو نقابة أو أمانة حزب أو لجنة ما قدمت تقريراً عن أدائها في مؤتمر أو نهاية دورة اعترفت بالقصور، لكنها دائماً ما تحاول تجيير السلبيات والالتفاف على البينات القوية التي تشير إلى قصورها وإخفاقها طوال توليها المهمة، ثم تحاول ِإيراد حزمة من إنجازاتها الضئيلة أو الوهمية، لكن البروفيسور إبراهيم أحمد عمر رئيس قطاع الفكر والثقافة بالمؤتمر الوطني، فاجأ الجميع في المؤتمر التنشيطي للقطاع الذى خاطبه النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه، وذلك عندما تحدث بشفافية عن القطاع، مطالباً بضرورة محاسبته عن فترة توليه الأمانة وذهاب أمانات في عهده، داعياً إلى إقالته من رئاسة القطاع، وقال لا بد أن نحاسب أنفسنا ونسائلها، وقال بالدارجي: «يا د. نافع جيب ناس غير د. إبراهيم قادرين على تحريك القطاع»، واستمر بروفيسور إبراهيم في نقده الذاتي الشجاع، مطالباً بإحصاء المبدعين الذين تمكنت الأمانة من استقطابهم ومعرفة ما إذا كانت هناك جمعيات أدبية وثقافية بالمدارس والجماعات، ثم فاجأ الحاضرين بسؤال جرئ قائلاً: «ماذا فعل المؤتمر الوطني تجاه التحديات التي واجهت البلاد طيلة أكثر من عشرين عاماً مضت»، متسائلاً: «قدناها أم جطناها؟» ولا شك أن خطاب البروفيسور بنهجه المواجهي الشجاع يعتبر ابتداعاً لإرساء أدبيات جديدة في الخطاب السياسي للمؤتمر الوطني، وخروجاً على نمطيته المألوفة التي تغرق عادةً في التعميمات والإشارات الخجولة لأوجه القصور والاعتراف الذاتي بالأخطاء، وطلب المراجعة إلى حد طلب الإعفاء من المهمة، ونحسب أن سؤال البروفيسور عن ماذا قدم المؤتمر الوطني طوال العشرين عاماً الماضية فضلاً عن أنه سؤال جرئ، لكن من الصعب الإجابة عليه باقتضاب، فالإجابة إذا اعتمدت على حجيَّة الكم الحشدي فإن المؤتمر الوطني برع بدرجة الامتياز في استقطاب العضوية إلى صفوفه من القطاعات الاجتماعية المختلفة بما فيها قبائل كاملة درج دوماً على الاحتفال بدخولها إلى ساحته، بالرغم من أن الفعل نفسه يظل مثار تساؤل حول اتساقه مع مبادئ المنطق السياسي والشفافية، إذ أن الدخول عادة إلى تيار سياسي واعتناق مبادئه وتبني أطروحاته تتولد عنه قناعات ناتجة عن تحولات فكرية فردية، ولا يمكن أن تتخلق بشكل جماعي فجائي، الإ إذا حسبت في نطاق الحشد الاستقطابي الميكانيكي وليس الاستقطاب الإقناعي الذي يتم عادةً بعد جهد فكري مضنٍ. لكن بالطبع في المؤتمر الوطني على الأصعدة الأخرى، لعل من عدم الأمانة أن يتم اختزال ذلك في خطاب يجنح للاستعراض والاختزال في كلمة واحدة تشير إلى النجاح والتفوق وبزِّ الأقران على الخصوم والتيارات السياسية الأخرى، بحيث يحق للمؤتمر الوطني رفع علامات النصر وربما مدُّ اللسان أيضاً، فهناك الكثير من المطبات والعتمات و «الزنقات» التي تحتاج إلى حزمة من الضوء لعبورها بمصابيح تستمد طاقتها من الشفافية، بيد أن ضيق المساحة هنا لا يسعنا لمزيدٍ من التوصيف الدقيق وسبر الأغوار، لكن المقام هنا يجبرنا على أن نشيد بشجاعة البروف إبراهيم ونقول« في واحد تاني ابن حلال يفتح الباب؟».