فرحة إنجاب المولود لا تساويها فرحة، فهي تعني حياة جديدة واستمرارًا لأسرة وامتدادًا لها خاصة إن كان المولود ذكرًا، والبنت أيضًا لها فرحة بمقدمها، فهي أخت والدتها ومنفع البيت وحبها أكبر في نفوس كل أفراد الأسرة، لكن حين تتهيأ أم لإنجاب ذكر خاصة أن ذلك هو الأول بعد ثلاث أو أربع بنات سبقنه، فالأم لا محالة تكون قد ملكت الكون بإحساسها، كيف لا وهي ستُسكت كل فم ناداها بأم البنات، وستمنع حتمًا زواج زوجها عليها بسبب خلفة الإناث، غير أن ذلك أمر رباني بحت ليس في مقدور أحد تغييره، وإن تزوج بدلها فقد يحدث في بعض التوقعات أن تفشل ويأتي المولود أنثى وتصاب الأم بخيبة أمل ربما لبضع دقائق وربما أيام، وحينها تُصاب بحالة نفسية تسمى الخلل النفسي بعد الولادة، ورغم أنها حالة نادرة الحدوث وتُقاس بنسبة واحد بالمائة، إلا أنها موجودة في كل العالم، لذا وُضعت كيفية علاجها حيث تكمن خطورتها في رفض الأم لمولودها معتقدة أنها أنجبت ذكرًا، وربما يؤدي الأمر في بعض الحالات إلى قتل المولود خنقًا أو رميًا في محاولة لإبعاده، وتلعب الأسرة والمجتمع دورًا كبيرًا في علاج تلك الحالة مثلما لعبته في تسببها سابقًا، لكن ذلك لا يتم إلا بوجود العلاج الطبي الذي يبدأ باختصاصي النساء والتوليد وإن صعب الأمر يتم الانتقال إلى العلاج النفسي... حول هذه الحالات حاورنا د. حسن عبد القادر أحمد الشين استشاري النساء والتوليد فإلى إفاداته: حوار: رباب حسن كيف يمكن أن نعرف حالة الخلل النفسي بعد الولادة؟ حالات الخلل النفسي من الأمراض النفسية نادرة الحدوث وهو عبارة عن تهيؤات تحدث للمرأة بعد الولادة. هل يقتصر أمر حدوثها على طريقة ولادة معينة؟ لا.. فهي يمكن أن تحدث في حالة الولادة الطبيعية كما قد تحدث في حالة الولادة القيصرية. ما هي الفترة الزمنية بعد الولادة التي يمكن أن تحدث فيها؟ ليس هنالك فترة زمنية محددة لحدوثها، فهي قد تحدث مباشرة بعد الولاة كما قد تحدث بعدها بيوم أو ثلاثة أو أكثر. صف لنا الحالة؟ عادة تتوهم المرأة أنها ما زالت حاملاً لم تضع مولودها بعد أو أنها قد وضعت ذكرًا وليس أنثى أو العكس، وأكبر مشكلة تواجه الاختصاصي المتابع للمرأة الحامل في هذه الحالة هي رفضها التام لاحتضان مولودها وإرضاعه، وهذا من أسباب إيداع المولود في حضن امرأة أخرى لإرضاعه حتى تسترد المرأة الأم عافيتها. لماذا؟ السبب أن الرضاعة في الثلاثة أيام الأولى هي مهمة للطفل حتى لا يفقد البروتينات والدهنيات والسكريات في جسمه. عدم إرضاع الطفل في أيامه الأولى يُحدث خللاً والأخطر إصابته بمرض الصفير. هل للإصابة بحالة الخلل النفسي بعد الولادة أعراض؟ هذه الحالة ليس لها أي أعراض قبل الولادة ولا بعدها، فقط يقتصر الأمر على رفض الأم احتضان مولودها أو انتظارها مولودًا آخر. في أي أعداد الإنجاب تحدث تلك الحالة؟ يمكن أن تحدث في أول مرة أو الثانية أو بعد خمسة أو أكثر. وهل يلعب عمر الأم دورًا في ذلك؟ الإصابة ليست محددة بعمر معين للأم. هل توجد حالات أخرى غير رفض الأم للمولود في الإصابة بحالة الخلل النفسي للأم بعد الولادة؟ هنالك حالة أخرى لحدوث الإصابة بحالة الخلل النفسي بعد الولادة وهي تحدث بسبب التهيؤ لإنجاب ذكر بدلاً من إنجاب أنثى، ويعود السبب إلى تكرار إنجاب الإناث أو العكس.. ويلعب الزوج والمجتمع دورًَا في ذلك مثل حدوث مشكلة إن أنجبت أنثى مرة أخرى أو العكس وربما يؤدي إلى زواج الزوج من أخرى، وغير ذلك من المشكلات الاجتماعية الظاهرة لدينا، خاصة إذا تم تأكيد ذلك بواسطة الفحص بالموجات فوق الصوتية ويأتي بعدها المولود أنثى، فضغوط الأسرة أو الزوج أخطر السلبيات الاجتماعية التي تؤثر في صحة الأم. وماذا عن التوأم؟ قد يتهيأ للأم أنها أنجبت توأمًا وأن لديها طفلاً آخر لم يتم تسليمها إياه لذا ترفض مغادرة مكان الولادة. ذكرت دور فحص الموجات فوق الصوتية وهي كثيرًا ما تخطئ في معرفة نوع الجنين علِّل؟ ليس كثيرًا، فمعرفة نوع الجنين بالموجات فوق الصوتية ذكرًا أو أنثى أمرٌ سهل، فقط يحتاج للخبرة وجلَّ من لا يخطئ رغم أنه خطأ غير مضر، بل يجب أن يستوثق الطبيب من نوع المولود قبل إخطار الأم به حتى لا تحدث تهيئة لإنجاب ذكر يُنتظر بعد أكثر من ثلاث بنات ويحدث العكس طفلة مرة أخرى فتصاب بحالة نفسية، لذا نقول لإخوتنا الأطباء والاختصاصيين يجب الاستيثاق أولاً من نوع المولود قبل إخطار الأم به ومن عدد الأجنة كذلك إن كان واحدًا أو توأمًا. كم تبلغ نسبة الإصابة بحالة الخلل النفسي بعد الولادة؟ نسبة حدوثه ليست كبيرة، فهي تقاس بنسبة واحد في المائة في العالم وهي حالة قديمة وليست حديثة تمت معرفتها ودراستها ومن ثم وضع المعالجات المناسبة لها. كيف يتم العلاج؟ يبدأ علاج المرأة المصابة بحالة الخلل النفسي بعد الولادة من قبل اختصاصي النساء والتوليد أولاً بإعطائها مهدئات وإقناعها بحقيقة إنجاب الطفل المرفوض، وأنه منسوب إليها، بعد ذلك، وإذا فشل اختصاصي النساء والتوليد في معالجة الحالة تحول إلى اختصاصي الأمراض النفسية وهو الأكثر دراية بمعالجة الأمراض النفسية حتى تعود المرأة لحالتها النفسية الطبيعية. لماذا يتم استخدام العقاقير المهدئة؟ المهدئات تُستخدم لأن الأم المصابة بحالة نفسية بعد الوضوع ترفض طفلها وقد يؤدي الأمر إلى خنقه أو رميه أو أي فعل آخر يودي بحياة المولود. وهل يمكن بعد شفائها الاطمئنان إلى المولود وتركه لها بمفردها؟ هي حالة نفسية تحدث للمرأة في فترة ما بعد الوضوع خلال الستة أسابيع الأولى من الولادة أو فترة الأربعين وليست حالة جنون تهدأ ثم تعود مجددًا وبعد العلاج تعود الأم لاحتضان مولودها بشكل طبيعي ولا تخوف من ذلك فهي حالة نفسية تزول نهائيًا بالاقتناع والعلاج، وهي من أكثر الحالات التي تعود لطبيعتها بسرعة. هل يمكن أن يدخل في دور العلاج الإقناعي أحد أفراد الأسرة؟ العلاج النفسي يعتمد على الإقناع كجزء مهم في معالجة الإصابة بحالة الخلل النفسي بعد الولادة، ويلعب الزوج أو غيره من أفراد الأسرة دورًا كبيرًا بجانب الطبيب في العلاج ليتم الشفاء السريع.