الانتخابات التي ستجرى فى عام 2015م، باتت على وشك وتعتبر ثاني انتخابات تعددية في بلد شهد خلال الأعوام الأخيرة الكثير من الضغوط والملمات التى كادت تفتك به أشواق كثيرة معلقة على إجراء هذه الانتخابات، فيما دعا البشير جميع القوى السياسية للإعداد الجيد والمبكر للانتخابات القادمة المقررة مطلع عام 2015م وتعهد بالعمل على أن تجرى هذه الانتخابات بالنزاهة والشفافية المطلوبة وتوفير الأجواء المواتية لطرح الأفكار، ولكن السؤال الذى يطرح نفسه هنا هو ما مدى جاهزية هذه الأحزاب بالبرامج والاستعداد لقبول مبدأ خوض الانتخابات القادمة؟ وما هى خططها؟ بينما هنالك أحزاب بدأت تتآكل بفعل الطبيعة وأخرى تتبنى شعارات سقطت ولم تقدم أية خدمة حقيقية ترى بالعين للوطن والمواطن، ونرى أن الحزب الشيوعى قد أعلن انسحابه مبكراً ورفض المشاركة في الانتخابات القادمة مبرراً عدم مشاركته بعدم توفر الحرية والحقوق والديمقراطية، وقطع القيادي بالحزب الاتحادي الأصل د. على السيد بأنهم لن يشاركوا في الانتخابات القادمة ما لم يتم تعديل قانون الانتخابات الحالى وتتم إعادة السجل الانتخابي وإلغاء المفوضية الحالية وتعيين أشخاص من ذوى الكفاءة والنزاهة والشفافية حتى فى الوضع الراهن، وقال إننا لم نفكر فى الدخول في الانتخابات للمرة الثانية، أما بالنسبة لبرامج الحزب فلديه رؤية واضحة ومبادئ حزبية راسخة يمكن عليها إضافة بعض التعديلات، وهذا فى حال تنفيذ شروطنا. ويرى مراقبون أن الوضع الحالى الذى تمر به البلاد يتمثل في فشل الانتخابات وتقليل الفرصة أمام الأحزاب الكبرى فى المشاركة لتنفيذ برامجها التى لا تخلو من الوعود الجوفاء، اضافة الى المشكلات المعقدة والقضايا الشائكة كقضية دارفور وأبيي، فضلاً عن المشكلات الاقتصادية التى لا يمكن تجاهلها بأى حال من الاحوال. المال لعبة السياسة: ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن ضعف الجوانب الاقتصادية في برامج الأحزاب السياسية يعزى الى افتقارها الى تمويل حملاتها الانتخابية وبرامجها وأنشطتها المختلفة، لهذا ستكون فرصة الانتخابات التي ستنطلق في بداية عام 2015 م، ومازال الوقت مناسباً لشحذ الهمم والاستعداد مبكراً لخوضها وتقدم للمواطن رؤاها الاقتصادية، وبالتأكيد فإن الضعف الاقتصادي لبرامج الاحزاب شأن عام، لكنه يتفاوت نسبياً بين حزب وآخر وبعض الأحزاب خاصة اليسارية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي، وكذلك الأحزاب التي تدخل الانتخابات وهي ممسكة بزمام السلطة تقدم برامج اقتصادية بشكل افضل بكثير من الأحزاب التقليدية، وبالرغم من ذلك فإن تلك البرامج غالباً ما تميل الى التعميم وتخلو من الجوانب العملية التي ترتبط بالحياة اليومية للمواطن بتفاصيل محددة، أما البرامج السلطوية فإنها تميل الى التضخيم والوعود والإغراء، وتأتي في شكل سراب كبير سرعان ما يتبدد مباشرة بعد قفل صناديق الاقتراع وإعلان النتيجة، ووضع الخبراء بعض الاسئلة على سبيل المثال: ما هي البرامج الحزبية الخاصة بمعالجة البطالة، وما هي الاستراتيجية المعتمدة من هذا الحزب او ذاك لمواجهة الفقر المتفشي، وما هي بدائل التنمية الزراعية والصناعية بخطة إستراتيجية واضحة، وما هي مصادر تمويلها، وكيف يمكن التعامل مع ملفات التجارة والتمويل الأجنبي والرؤى الخاصة بالاستثمارات، وما هو رأي الأحزاب حول تطوير القطاع الخاص ودعم تنافسيته ووضع الخطط لمحاربة الفساد المستشرى سواء أكان مالياً او إدارياً؟ والكثير من الأسئلة الملحة التي تحتاج الى التفصيل في برامج الأحزاب حتى يستطيع المواطن البسيط التمييز بينها والتصويت لها. وأشار محلل سياسى فى حديثه ل «الإنتباهة» فضل حجب اسمه، اشار قائلاً: «ما أسهل الحديث والوعود فى حملات الناخبين، ولكن هناك صعوبة بالغة فى تنفيذها وانزالها الى ارض الواقع، وكيف تستخدم وباية وسيلة، ومن جانب آخر هناك البرامج الخاصة بالولايات والدوائر التي تحتاج الى دراسة حالة الولاية او الدائرة والوقوف على مشكلاتها ومواردها، ومن ثم تحديد الأولويات خلال الفترة المحددة لولاية الشخص المنتخب، وفي هذه الحالة نجد البرامج مثالية وتقفز فوق الواقع والامكانات المادية والبشرية، وبالتالي غير ذات جدوى، اما اذا تحدثت حول البرامج الاقتصادية للاحزاب في ما يتعلق برؤيتها لمستقبل المناطق الثلاث وجنوب كردفان معظم الأحزاب فإنها تتحدث دون رؤية محددة للتنمية فيها، وستكون معركة الانتخابات حاسمة لمستقبل تلك المناطق وحقوق الإنسان الطفل والمرأة، فهناك الحق في التنمية، وأكثر ما يتم تداوله في هذا الشأن هو مصطلح التهميش، لكن حتى هذا فإنه يحتاج الى تعريف دقيق وعلاج عملي في شكل برامج وليس الاكتفاء باطلاق الشعارات والوعود وإلهاب حماس البسطاء. ولهذا أمام الأحزاب الكثير من البرامج التى تنفذها على أرض الواقع ويلمسها المواطن وتنال رضاءه. وفي مجمل تلك القضايا من غير الواضح كيف يمكن التصدي لمشكلات كبرى بما فيها الحق في الحياة والتنمية وتحقيق المساواة والعدالة وكرامة العيش، واين تقع الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وشبكات المياه والصرف الصحي من كل تلك الضجة والبرامج الانتخابية؟ فهل ستوفق الأحزاب في معالجة كل تلك التكهنات التى تمس المواطن وتلامس قوت يومه؟ ومن سيصل الى سده الحكم بتفويض الشعب في الانتخابات القادمة؟!