من داخل حالة الإصرار لجعل قضيته التي وطَّن نفسه من أجلها. عاش المبدع الأستاذ كمال محمد إبراهيم حياته لأجل السينما والبحث في عالمها حتى أضحى مرجعًا لا يمكن تجاوزه في جزئياتها وفنها. في نهاية عشرينيات القرن الماضي وبأسرة كأي الأسر السودانية وُلد وعاش كمال محمد إبراهيم في كنف أسرة تحترم خيارات أفرادها. فكان خياره العملي في الفن السينمائي. فمنذ نعومة عوده عرف كمال محمد إبراهيم بالهدوء والسكينة بل والتأمل فكثيرًا ما كان يطيل جلوسه وحيدًا متأملاً في الطبيعة الخلابة وتقلبات الطقس، وغير ذلك من ظواهر الحياة الضاجة بالحركة. مما سبق يتضح تمامًا ما جعله فيما بعد أحد المهمومين بل المبدعين الأكثر إنتاجًا في عالم السينما السودانية. تعتبر الفترة الممتدة من نهايات العام 1948م حتى العام 1950م وتحديدًا في فبراير منه هي الفترة الأولى لولوجه عالم السينما. وذلك حين عمله بوحدة أفلام السودان وهي الوحدة التي كانت تتبع لمكتب الاتصال العام (وزارة الداخلية الآن). تولى المبدع كمال إبراهيم مهمة مساعدة مدير الوحدة البريطاني في مجال إنتاج الأفلام القصيرة. فظل لصيقًا به حتى يستفيد من خبراته المتراكمة في هذا الضرب الفني. فمن خلال عمله مع مدير الوحدة البريطاني قرأ الكثير عن السينما وصناعتها. بل شارك في كتابة عدد من سيناريوهات الأفلام. مازج مبدعنا ما بين العمل الإداري والفني بوحدة أفلام السودان فكتب عددًا من سيناريوهات الأفلام ومخرجًا كذلك مع كتابة التعليق المصاحب للمادة السينمائية المعروضة. جاب كمال إبراهيم كل السودان أيام العمل فيما يُعرف بالسينما المتجولة تعريفًا لأهل السودان بعدد من الظواهر التي عالجتها تلك الأفلام. من إنتاجه الثر خلال عمله السينمائي تلك الأيقونة السينمائية التي لن تتكرر وهي فلم (الطفولة المشردة) وهو الفلم الذي صور ظاهرة التشرد والضياع التي يعاني منها الأطفال. وهو للعلم أول الأفلام السينمائية التي تجاوزت زمن الفلم القصير إذ حشد داخل الفلم مجموعة من تقنيات السينما لإظهار الفلم شبيهًا بأفلام السينما العالمية. داخل إبداعه المتكاثر تبرز حالة الرهق بحثًا عن الجديد والمدهش في عوالم ذلك السحر الأخاذ (السينما) فأنتج فلم (المنكوب) وهو يحكي معاناة مرضى السل الرئوي ذلك المرض الفتاك. فكان أن عرض الفلم مع فلمه الأول (الطفولة المشردة) بدور السينما. حين بزوغ فجر الاستقلال عمل المبدع على عكس نشاطات الرعيل الأول من التنفيذيين على شاشات السينما. من إبداعاته التي توضح جوانب القدرة على الابتكار والتجويد إخراجه لأول (فيديو كليب) في العالمين العربي والإفريقي وهي الأغنية المصورة للفنان حسن عطية (ألوان الزهور) التي كتب كلماتها الشاعر عبد الرحمن الريح. لم تتوقف مجهودات المبدع كمال محمد إبراهيم عند هذا الحد. بل تعدى ذلك لتدريب صغار المهتمين بالسينما على قواعد وأساسيات الفنون السينمائية فنال الكثير من طلابه والمتدربين على يديه المعرفة وتلك الفنيات. تلقى كذلك تدريبًا على الفنون السينمائية بكل من إنجلترا وأمريكا زائدًا اشتراكه في الكثير من السمنارات التي تهتم بالسينما بكل من مصر والمغرب وأمريكا. إداريًا تقلد المرحوم كمال إبراهيم إدارة التدريب بمؤسسة السينما السودانية ونصب مدير للعلاقات العامة والأعلام بها. يُعتبر كتابه (السينما في السودان الماضي والحاضر والمستقبل) مرجعاً لجميع الدارسين في مجال السينما السودانية.