لم يكن من عادة رئيس تشريعي الخرطوم أن يعقد مؤتمرات صحفية لأي أمر، إلا أن الأمر هذه المرة يختلف حقيقة، فهناك وزارة قد قامت بتطبيق لائحة قانون مكافحة التبغ لسنة «2013» دون الرجوع للمجلس كما يتطلب الأمر، ولعل القانون في مجمله مهم ولا يشك أحد في أهميته البتة خاصة للحماية الكبيرة الصحية التي يوفرها وقائياً للمواطن، ولكن من خلال الصراع الذي بدا يلوح في الأفق بين الجهتين التشريعية والتنفيذية، أطلت برأسها العديد من الأسئلة الحرجة، فلمصلحة من تُرفض اللائحة؟وهل لشركات التبغ يد في الأمر، وهل هناك مصالح مادية تترتب على وقف تطبيق اللائحة، خصوصاً إذا علمنا أن القانون في مادته الثامنة، حظر زراعة التبغ بالولاية، فضلاً عن منع زيادة عدد مصانع التبغ بالولاية، وحظر التصديق أو الترخيص لمحلات بيع التبغ قرب أماكن بيع الطعام، إضافة لفرض عقوبات وغرامات على كل من يتعاطى التبغ من العاملين في مجال تقديم الطعام أو في المجال الصحي أو المعلمين أو الطلاب، وهذا جزء يسير من قانون عده المختصون الصحيون فاتحة خير لوقف مد استشراء السرطانات بالبلاد، ولمكافحة مافيا الرابحين من توزيع أو بيع التبغ لما يدره عليهم من دخل خرافي، ما سبق كان فاتحة شهية لهذا التقرير المتشعب الذي سيجر وسيخلف العديد من التساؤلات التي قد يبدو جزء منها مشروعاً، والآخر قد يدخلنا تحت طائلة القانون خاصة وأنه كشف عن ملامح صراع بدأ يلوح في الأفق بين المجلس التشريعي لولاية الخرطوم ووزارة الصحة بالولاية، عقب سحب الأخير للائحة مكافحة التبغ التي سبق وأودعها المجلس في بداية العام الحالي، وكان السحب بمثابة شرارة للصراع الدائر حالياً إذ أن الوزير مأمون حميدة شرع في تطبيق اللائحة بتدوين بلاغات لمن أسماهم مخالفين للائحته، الأمر الذي جعل المجلس التشريعي في موقف لا يحسد عليه خاصة وأنه بموجب لائحة تنظيم أعمال المجلس أعطى السلطة التنفيذية الحق في تطبيق اللائحة قبل إجازتها، وبمجرد توقيع الوزير المختص عليها وإيداعها منضدة المجلس ولم يتحسب لتجاوز الوزير لسلطاته بتطبيق ما قد يضر بالجهات العاملة في المجال، التي بدورها استنجدت بالمجلس لإثناء الوزيرعما فعله تجاهها، إلا أن المجلس لم يجد مخرجاً من الفخ الذي وقع فيه إلا باستصدار قرار لإيقاف العمل باللائحة تضامناً مع الجهات المتضررة لحين مراجعة اللائحة من قبل المختصين و«تشليعها» على حد وصفه، بعض الجهات التي من بينها شركات التبغ كانت في موقع اتهام بحسب مراقبين، سيما وأنها تدر مبالغ طائلة لخزينة الدولة، وتطبيق نصوص اللائحة يجعلها حائرة بين القانون الاتحادي والقانون الولائي، وفي حديث رئيس المجلس التشريعي محمد الشيخ مدني، قال إن سحب اللائحة ومحاولة تطبيقها دون مراجعة المجلس ثم إعادة إيداعها بذات نصوصها المسحوبة بعدم العلم بعدم سريانها يلقي بظلال سالبة من الشك المعقول على أن الوزارة حاولت أن تفرض بقوة اللائحة ما لم يأت به القانون، وهذا ما لا تسمح به سلطة المجلس الرقابية، لأن ذلك حتى إن جاء بحسن نية وحسن قصد فهو أمر مخالف للقانون والدستور، ولعل آخر التعديلات التي شملتها لائحة تنظيم أعمال المجلس التشريعي لولاية الخرطوم لسنة 2013، هي إفراد فصل كامل عن إجراءات وضوابط وإجازة اللوائح التي تصدر بموجب قوانين، وليست سيوفاً مسلطة على رقاب المعنيين بالتطبيق دون حسيب أو رقيب. وضرب الشيخ مدني بعض الأمثلة حول النصوص التي صاغتها اللائحة الموقوفة لأسباب موضوعية ودستورية على حد قوله، أنها تدخلت في ما يخص هيئة المواصفات والمقاييس فنياً إضافة إلى جوانب أخرى تتعلق بوزارة التخطيط العمراني، مما جعل اللائحة تخالف نصوص واردة في قانون مكافحة التبغ لسنة 2012، ونصوص أخرى من الدستور القومي، وفي الوقت الذي حاولنا الاتصال بأحد المسؤولين داخل وزارة الصحة للحصول على إفادة حول الموضوع، تفاجأنا ببيان صادر من الوزارة ممهور بتوقيع د. مأمون حميدة كتعقيب للمجلس حول ما حدث، أكد فيه عدم سحب اللائحة بعد إيداعها منضدة المجلس، وأن الأمر اختلط على قيادات المجلس لأن أمر السحب كان معنية به لائحة أخرى، وقال إن الوزارة ستبدأ في إنفاذ قانون التبغ في الأجزاء التي لا تحتاج إلى تفسير من اللائحة، مشيراً إلى عدم تطبيق اللائحة قبل إجازتها من المجلس، وأوضح الوزير بأن لجنة التعليم والصحة بالمجلس قامت بمراجعة اللائحة لكن باجتماعها مع منسوبي الوزارة الذين أوضحوا للجنة أن بعض مقترحات اللجنة تخالف القانون نفسه الذي أجازه المجلس، وقد أمهلت الشركات المصنعة «18» شهراً لكاتبة التحذير. وقال البيان إن الوزارة قامت بتضمين ملاحظات وتم إيداعها بشكل نهائي للمجلس وتم النقاش حولها في جلستين ولم تتم إجازتها ولكن فوجئت الوزارة بإيقاف العمل، وقالت إن الوزارة تحسبت لهذا التأخير وأجرت محادثات مع المجلس قبل شهر من الميعاد المحدد لإنفاذه مما اضطرها لقبول القانون بعلاته حيث أن الصحة العالمية تفضي بأن تكون مساحة التحذير «50%» من الصندوق، والدول الأوربية «70%» في حين قبلت الوزارة ب «30%»، وإلا كان القانون قد وجد طريقه للرفض. وأكدت الوزارة تمسكها بأن يكون التحذير في الوجهتين، كما أكد تمسك الوزارة بإنفاذ القانون في الأول من أغسطس 2013م. وأنها لا تشكك في حسن نوايا المجلس.