«توقعات بانهيار قطاع الصناعة فى السودان بسبب تأثير الإصلاحات الاقتصادية».. تلك تحذيرات مخيفة ظل يصدرها اتحاد الغرف الصناعية بصورة متكررة وملحة، محملاً الحكومة المسؤولية فى زيادة أسعار مدخلات الإنتاج الصناعي الذي بسببه تعرض القطاع لأزمات ربما تعصف به بحسب حديثهم.. أما الأكثر غرابة فى حديث قيادات نقابة الصناعيين «اتحاد الغرف الصناعية» هو قولهم إن زيادة مرتبات العاملين أثرت على المصانع، وبدأ عدد من المؤسسات الاستغناء عن العمال وتسريحهم.. وبعيداً عن الحديث عن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التى أملتها ظروف معلومة بعضها داخلي وبعضها الآخر خارجي اتفق أو اختلف الناس فى موضوعيتها او مبرراتها، إلا أن الرأي العام يسأل أين مساهمات القطاع الصناعي نفسه فى التنمية الاجتماعية بالبلاد؟ وماذا قدم أصحاب المصانع وشركاتهم الربحية للمجتمع في إطار مسؤولياتهم المجتمعية فى خدمة وتطوير المجتمع ومؤسساته الخدمية وتخفيف حدة الفقر عنه.. كانت فى الماضي البعيد مساهمات شخصية لعدد من أصحاب الأعمال التجارية في السودان على رأسها تجربة الشيخ مصطفى الأمين أو أبو العلا، وغير ذلك من التجار الذين أسهموا في تنمية المجتمع وإقامة مؤسسات تعليمية وغيرها، لكنها تعتبر تجارب ذاتية لرجال نحسبهم خيرين ان شاء الله، بيد أنها لا تحسب فى إطار المسؤولية الاجتماعية للشركات المعروفة وبشكلها المنظم، والتي أصبحت فى هذا العصر عملية مهمة جداً وضرورية في نمو الاعمال وخلود أسمائها، ولم تعد نوعاً من الترف كما يتصور البعض، لكن بكل أسف فإن مؤسساتنا الصناعية لم يعد لها أثر فى حياة المجتمع، وحتى وجودها على قلته يمكن أن نضع تحته عدة علامات استفهام، وربما يقول البعض إنها تنفق على الإعلان والترويج أكثر بمراحل من إنفاقها على المجتمع الذي يشتري منتجاتها وتصنع له سلعه. أين هذا الدور المجتمعي للقطاع الصناعي قبل أن يسألوا هم عن نهضة وتطوير ممتلكاتهم ومدخراتهم الخاصة بأسرهم، ويشتكون من تأثيرات المعالجات الحكومية عليهم؟ وأعتقد ان كلمة «انهيار» التى ظلوا يرددونها هي فقط للتهديد واستدرار عطف السلطات لمنحهم مزيداً من الامتيازات والإعفاءات الجمركية والضريبية التى ينتفعون بها، ولا يجد المواطن أية فائدة أو منفعة تحد من تعبه او تكافئه، أما الحديث عن أن المؤسسات الصناعية تستوعب عمالة فى حال انهيارها ستتأثر ويعود ذلك سلباً على المجتمع، فهذا حديث عاطفي.. نعم إنهم يستوعبون عمالاً لكن الشركات الصناعية بطبيعتها متربحة ومتكسبة من إنتاجهم، وهم مستفيدون من عرق جبينهم، لكن ماذا استفاد المجتمع الذي يسوق منتجات هذا القطاع؟ فالاستقرار الاقتصادي وتعثراته مسؤولية الجميع الحكومة والقطاع الصناعي والشركاء الآخرون فى العملية، وضعف مساهمات القطاع الصناعي تجاه المجتمع يوازيه ضعف أكبر لقطاع الصادرات الزراعية والحيوانية ومبادراته الشحيحة تجاه المجتمع والبيئة التى تنتج له السلع التى يتاجر ويستفيد منها قطاع الصادر الذي لا يرى أعضاؤه من التجار الجشعين أن هناك ضرورة لهم بوصفهم قطاعاً خاصاً معنيين بتقديم مساهمات حقيقية في اتجاه نمو المجتمع، فبذات اهتمامهم بنمو أعمالهم وتوسعها يجب أن يهتموا أيضاً بنمو المجتمع الذي يعملون فيه، لأن هذا سينعكس إيجاباً على بيئة ومساحة أعمالهم وزيادتها، وهو يمثل دوراً أصيلاً للقطاع الخاص تجاه المجتمع ومشاركته مع الحكومة في نموه ودعم الأسر محدودة الدخل والقطاعات المحتاجة للتعليمية والصحية وما أحوجنا فى بلادنا.. فإذا كانت الحكومة عاجزة عن معالجاتها فإن القطاع الصناعي فى مبرراته أعجز عنها، لكن نحن بلد غابت فيه الاعترافات والمصداقية والشفافية، وبات تجيير الحق لإرادة الباطل شيئاً متعارفاً عليه، فبالتالي فإن الحكومة بحاجة الى إعادة النظر والتدقيق والضبط فى كل إجراءاتها الإدارية وإعفاءاتها التى ظلت تمنحها لشركات الصادرات والواردات والقطاع الصناعي مقابل تخفيضات لصالح المجتمع والفقراء الذين أصبحوا ضحية ووقوداً لنيران الإجراءات الحكومية المتعسفة وجشع التجار وأصحاب الأعمال الذين لا يرون إلا وفق مصالحهم وأرباحهم .