يعتبر وزير جهاز الأمن هكذا يفضل توصيف منصبه في حكومة الأحزاب الثالثة العميد الركن بحرى «م» عبد الرحمن فرح من الملمين بكثير من التفاصيل بشأن علاقة الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي بالسودان فى مراحل متعاقبة من تاريخ البلاد السياسى، يما أنه أدار جهازاً مهماً وحساساً فى فترة مهمة من الحياة السودانية، فضلا عن كونه واحداً من قيادات حزب الامة القومي سابقاً - الذين شاركوا في عمليات 1976م ضد نظام نميري التي رعاها القذافي من الألف إلى الياء.. لجملة هذا الأسباب زائداً أن الرجل يملك تجربة عسكرية وخبرة أمنية، كان هذا الحوار حول علاقة القذافي بالحكومات السودانية، بما فيها الإنقاذ ذات البطن الغريقة .. والوصف لفرح كما جاء فى إحدى إفاداته في هذا الحوار الذى أجري معه أمس الجمعة. بداية ما هي تأثيرات نهاية حكم القذافي على المنطقة على الاقل من ناحية أمنية؟ بشكل عام هناك فرحة كبيرة ستعم المنطقة بداية من ليبيا نفسها التي سعدت كما تابعنا أمس واليوم «الجمعة» التي أذاقها القذافي كثيراً من العذاب.. كما أن حالة الفتنة التي كان من ورائها القذافي ستقل فى المنطقة إن لم تنعدم تماماً، وهى مسألة مهمة ستساعد فى استتباب الأمن في المنطقة، مما يعنى الاستقرار على كافة الأصعدة. وفي ما يلى السودان؟ الفرحة التى عمت ليبيا من المفترض أن تعم السودان، فهو البلد الوحيد الذى تأذى من نظام معمر القذافي.. فأول دعم عسكري حصل عليه المتمردون في جنوب السودان كان من طرابلس بواسطة بعض السودانيين خاصة من اللجان الثورية، وذلك بواسطة المخابرات الليبية. منذ متى كان القذافي يؤذي السودان؟ المسألة بدأت منذ وقت بعيد، ولعلها منذ تسلم القذافي السلطة في عام 1969م عندما دعا للوحدة بين بلاده والسودان ومصر، تلك الوحدة غير المدروسة التى رفضها السودان لعدم وجود أساس لها، فبدأ مناصبة السودان العداء دون النظر إلى نظام الحكم القائم، فناصب كل الأنظمة العداء، وكان من أبرز ذلك مساعدته لنا فى القوى السياسية الوطنية في أحداث 1976م، فالغزو الذي حدث والتدريب للقوات والتسليح والدعم اللوجستي كله كان من القذافي ونظامه، بل سهل ترحيل رجالنا من مصر وإثيوبيا. ثم لا يغيب عن الذهن اتفاق المخابرات الانجليزية مع القذافي على إنزال الطائرة التي كانت تقل فاروق حمدنا الله وبابكر النور حين عودتهما إلى السودان عقب مؤتمرهما الصحفى المؤيد لانقلاب هاشم العطا ضد نميري فى 1973م واعتقالهما وتسليمهما لنميرى الذي أعدمهما واعدم غيرهم، وكان ذلك تأمراً من القذافي في لحظة سنحت لإطاحة نظام نميري. ألا يمكن أن تكون في نهاية عهد القذافي نقمة على السودان بأية حال من الأحوال؟ هذا سؤال جيد.. فسقوط الرجل بالرغم مما فيه من خير الا أن فيه شراً مستطيراً على السودان يتمثل فى السلاح الليبي الذى تدفق على المنطقة بشتى أنواعه وفيه نوع متطور.. فاذا لم يتخذ السودان إجراءات أمنية موسعة لمنع دخول السلاح سيكون الأمر اكثر خطورة على الاوضاع بالبلاد. ألا تشكل أمواله الطائلة خطورة على الأوضاع فى البلاد كونه دعم بها جهات ما يمكن أن تخلق نوعاً من الفوضى؟ هذه المسألة تأثيراتها أقل، فأموال القذافي منذ قيام الثورة الليبية جزء منها أخذه ابنه الاكبر محمد وزوجته وابنته، وهناك تهريب لأموال أخرى تم بواسطة أبو بكر يونس. وبحسب المعلومات فإنها هربت للجزائر والنيجر، كما أن يونس قتل مع القذافي. لكن هناك حديث عن أموال ضخمة تسلمها خليل إبراهيم؟ خليل خسر القذافي، بالتالي لن ينتفع بامواله، كما أن ضيق المساحة التي يتحرك فيها خليل لن تمكنه من توظيف الأموال التى تسلمها وأشك في ضخامتها. وما مدى تأثير السلاح المتدفق على السودان؟ هنا مكمن الخطر، فتدفق السلاح سيخلق فوضى فى دارفور وتشاد وإفريقيا، وبصراحة «القذافي ما مريحنا لا في حياته ولا في مماته»!! إذاً ما المطلوب من الحكومة إزاء الصورة القاتمة التي رسمتها؟ لم أرسم صورة ولكن ذلك واقع الحال.. المطلوب من الحكومة أن تتراجع عن قرار خفض ميزانية الأمن والمخابرات، خاصة بعد التطورات الأخيرة فى المنطقة بدءاً من الأحداث التي وقعت بجنوب كردفان والنيل الأزرق وما يجرى في الحدود مع إثيوبيا ومصر. وما هى تداعيات غروب شمس القذافي على العلاقات السودانية الجنوبية؟ لا أتوقع أن تتأثر علاقة السودان والجنوب بسقوط نظام القذافي نسبة لانفصال الجنوب بالرغم من إعلانه المبكر تأييده للانفصال، والخوف الحقيقي من حركات دارفور. نهاية عهد القذافي ستضعف الاحزاب السودانية التي كانت تتلقى منه الدعم مما سيريح الحكومة.. ما مدى صحة هذه الرؤية؟ الأحزاب «تعبانة» والحكومة ضيقت عليها الخناق، فكل الشركات والتوكيلات الوهمية فى يد المؤتمر الوطني .. ولا أعتقد أن الأحزاب تلقت دعماً فى الزمن القريب من القذافي. لكن رئيس حزب الأمة الصادق المهدي أقرَّ بتسلمه دعماً من القذافي، على ما أعتقد فى العام المنصرم لمجابهة تكلفة الانتخابات؟ هى إعانات تافهة على كل حال. لكن البعض يقول إنها ملايين من الدولارات؟ هي عطية مزين.. نحو خمسة أو ستة ملايين دولار!! ألا تعتقد أنك تقلل من ملايين الدولارات وكأنها عملات أخرى؟ قارن هذه الأموال بالمليارات التي كان يرقد عليها القذافي، فضلاً عن كونه فى الآونة الاخيرة قنع من أي خير فى الاحزاب السودانية التى دعمها في الفترة السابقة، حيث تلقينا منه نحن فى حزب الأمة دعماً مقدراً فى انتخابات 1986م، ولم يكن من أجل سود عيوننا بل كان نكاية فى مصر التي قدمت دعما سخياً للحزب الاتحادي الديمقراطي. لكن يقال إن ثراء حزب الأمة، أو إن شئنا الدقة، الصادق المهدي، كان من الدعم الذي تلقاه فى انتخابات 1986م من القذافي؟ لا علم لي بثراء الصادق المهدي !! لكن لم يكن كل الدعم من ليبيا، إذ أن حزب الأمة يتمتع بصداقات مع ملك الأردن الراحل الملك حسين أعانته فى الانتخابات، وكذلك تلقى دعماً من السعودية والكويت التي كانت تدعم الحزب الاتحادي أيضا.. أما القذافي فدعم حتى الحزب الشيوعي .. والقذافي كل همه أن تحدث فوضى فى السودان. بصراحة أي الأحزاب أو الجهات بالسودان كان يعوِّل عليها القذافي في أن تحقق له أمنيته فى إحداث الفوضى فى السودان؟ لم تكن للقذافى إستراتيجية محددة، وتلمست ذلك من خلال التعاون الأمني الذي كان يتم بين الخرطوموطرابلس إبان عملى وزيراً للأمن السودانى، فكان التخبط هو حال نظامه، وأسال نفسك ما هي الفائدة التي كان يجنيها القذافي من الفلبين وبورما وأمريكا اللاتينية وايرلندا «الجيش الايرلندي»، إنه رجل مجنون، فقد كان يدعم الجميع دون استثناء ودون نظرة إستراتيجية، فكان همه أن يكون ملك ملوك إفريقيا فهو مصاب بجنون العظمة. انظر الى تصريحه الشهر تصريح «زنقة.. زنقة» فقد كان يقول: أنا ثائر من الخيمة من البادية... حتى لقنه الشعب الليبي درساً في الثورة قبل أن يذله ويقتله هو وأعوانه بعد انهيار عسكري مريع لقواته. إذا كان الرجل بهذا الجنون والطغيان، فأيٍ من الحكومات المتعاقبة في السودان استطاعت أن تسايره وتكبح جماح مزاجيته؟ لم يستطع أي نظام أن يقدر عليه، بقدر ما حاولت كل الانظمة الاستفادة منه بداية من الإنقاذ وكل من سبقها، وكانوا كذلك يحاولون أن يتقوا شره!! بالتالى مَنْ استطاع أن ينال منه أكبر فائدة؟ استفادت منه المعارضة السودانية أكثر من الأنظمة الحاكمة، وكانت حينذاك تمثل كل القوى، حيث استفاد حسن الترابي والصادق المهدي والشريف حسين الهندي. ألا تعتقد أن الانقاذ استفادت من العقيد؟ من المحتمل أن تكون استفادت، لكن «الجماعة ديل بطنهم غريقة»!! هل هي فائدة مادية مثلاً، وهو الذي كان يكتنز الدولار في الحاويات؟ لا أتوقع أن تكون فائدة كبيرة، خاصة أن القذافي كان ضد أي توجه إسلامى في المنطقة. في رأيك كيف ستتعامل الخرطوم مع طرابلس بعد القذافي، أو بشكل دقيق ما الذي يتوجب على الحكومة فعله؟ العلاقة مع طرابلس ستحكمها الأوضاع الداخلية في ليبيا، وأتوقع أن تدخل ليبيا فى إشكالات داخلية وفوضى في ظل الأطماع الغربية التي تسعى للاستفادة مما جرى في ليبيا، وسيقدم الغرب فاتورة ضخمة تحوى مجمل ما صرفه حلف الناتو من مال وجهد وغيره، سترهق كاهل الخزينة الليبية، خاصة أن تلك الأموال موجودة في البنوك الغربية. كأنك تريد أن تقول إن السودان ليس له دور حالياً في ليبيا؟ الليبيون بعد القذافي «ما فاضين» للسودان، وسيكون كل همهم تحسين البنيات التحتية لدولتهم التي دمرت، وهذا ملف ستتولاه أمريكا في المقام الأول. لكن الحكومة مدت يد العون للمجلس الانتقالي؟ هذا تعاون أمني من الدرجة الأولى، والآن الأهمية للدول التي ستتعاون في مجال الاقتصاد والتنمية.. وباختصار لن تجد الحكومة موطئ قدم في ليبيا في الوقت الراهن.. وهم ليسوا في حاجة لنا الآن. بالمقابل ألسنا نحن في حاجة إليهم؟ حاجتنا لهم ماسة في مسألة واحدة هي أن يكفو الشر عنا. عفواً ولكن الشر قتل مع القذافي فى سرت؟ مازال الشر موجودا وممثلاً في السلاح، فعلى الثوار والمجلس الانقالي أن يحوشوا السلاح عنا، ويسارعوا إلى جمعه وملاحقة حامليه. هل من الممكن أن تكون الفائدة الكبرى في تطوير شكل العلاقات السودانية التشادية؟ التشاديون أنفسهم تأذوا من نظام القذافي، وخفف عليهم الأذى الفرنسيون. والآن تشاد ستفقد الدعم الليبي الذي كان يصلها بواسطة منظمات معادية للسودان، وهذه مسألة تصب في مصلحة الحكومة السودانية، وإذا قُدِّرَ للسودان استمرار علاقته الجيدة الآن مع تشاد مع كسب ود فرنسا، سيكون هو الرابح الأكبر. إذاً من هو الرابح الأكبر بعد مقتل القذافي؟ الرابح الأكبر بعد مقتل القذافي هو الغرب.