إن بعض الولايات تعاني وتسعى بشتى السبل لسد النقص في المرتبات والزيادات المقررة تحسباً لأي ردود فعل سالبة لأن بعض اتحادات العمال الولائية وغيرها أخذت تهدد بالإضراب عن العمل، وهو سلاح خطير وأية بداية ستفتح الباب على مصراعيه ولن يتوقف هذا المسلسل وسيستثمره البعض لتحقيق أهداف أخرى. وإن النظام الحاكم الآن أمام تحديات اقتصادية وهو مجابه بقضايا وملفات مختلفة تتعلق بالجهاز التنفيذي ولها ذيول سياسية وأمنية، وعليه أن يكرس كل جهوده وطاقاته لإيجاد المعالجات الناجعة لها ولكن البعض ما زالوا منصرفين لقضايا أخرى آجلة غير عاجلة مثل مرشح الحزب الحاكم لانتخابات رئاسة الجمهورية للدورة القادمة وما انفك بعضهم يطلقون التصريحات بأن مرشحهم سيكون فلاناً أو علاناً أو فلتكاناً... ألخ. وفي هذا الخضم ودوامة هذه التصريحات فإن بروفيسور غندور مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس الحزب أدلى بدلوه ضمن دلاء الآخرين، وأعلن باسم الحزب وليس باسمه هو شخصياً اسم مرشحهم لرئاسة الجمهورية، وذكر بأنه سيكون المرشح الأوحد للحزب في انتخابات رئاسة الجمهورية التي ستجري في شهر أبريل عام 2015م، ومع فائق الاحترام والتقدير للمقامات الرفيعة إلا أن هناك حقيقة ينبغي أن ينتبه لها الجميع وألا تغيب عنهم، وهي أن كل مؤسسات الحزب القائمة حالياً من القاعدة للقمة سيتم تغييرها كلها، وبالتالي فهي ليست ذات اختصاص وصلاحية لاختيار مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية أو غيره من المرشحين للمواقع الأخرى الولائية أو البرلمانية، وأن المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني بكامل عضويته الحالية سيتم تغييره وتبعاً لذلك ربما تسقط عضوية الكثيرين، وقد يتم أيضاً تجديد عضوية كثيرين منهم. وأن شهر يناير الجاري سيشهد وفق ما كان مقرراً إعادة تكوين اللجان القاعدية للحزب في كل القرى والأحياء بالمدن في كل أرجاء القطر، وفور انعقاد الجمعيات العمومية القاعدية وانتخابها للجان الجديدة واختيارها للمصعدين لمؤتمرات الوحدات الإدارية تكون اللجان القاعدية السابقة قد حُلت تلقائياً، وبذات الطريقة يتم التصعيد من القرى وأحياء المدن تدرجاً للوحدات الإدارية والمحليات «المحافظات» والولايات صعوداً للمؤتمر العام الذي تتكون عضويته الجديدة من الذين يتم تصعيدهم من كل الولايات، إضافة للذين يتم تصعيدهم من الفئات والقطاعات المختلفة، وعندما يتم انعقاد المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني تكون عضويته قد تم تجديدها تماماً، وينتفي أي حديث عن شلليات أشار إليها غندور في تصريحاته الأخيرة. وفي الجلسة الإجرائية الافتتاحية يتم تكليف أحد الأعضاء ويفضل أن تعهد هذه المهمة لأكبر المؤتمرين سناً لإدارة هذه الجلسة التي يتم فيها فتح باب الترشيحات لاختيار رئيس الحزب لكل من يأنس في نفسه الكفاءة، والأمر مفتوح للجميع وليس حكراً لأسماء بعينها. ومن يتم اختياره رئيساً للحزب بالتزكية أو بالانتخاب الحر يصبح بالضرورة هو مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية، وينبغي أن يتواثق كل المؤتمرين ويلتزموا أخلاقياً وتنظيمياً بالوقوف معه ومساندته ومن يشذ عن ذلك فعليه ترك الحزب. وسيتم في المؤتمر العام القادم انتخاب هيئة مجلس شورى جديدة وهي التي ستختار بالتزكية أو الانتخاب نائب رئيس الحزب والمجلس والمكتب القيادي ويتم بعد ذلك تكوين الأمانات المتخصصة... ألخ. وأن بعض القيادات كانت تردد أن عضوية الحزب تتكون من عدة ملايين وهي مكتوبة على الورق وإذا صح هذا العدد فإن صلة هذه القواعد بالحزب لا تعدو مواسم الانتخابات أو عند إقامة احتفالات وكرنفالات لاستقبال بعض كبار الدستوريين إذا قاموا بزيارتهم ولا توجد أية علاقة غير ذلك. وأن دور الحزب ومكاتبه في رئاسة الولايات والمحليات تكون في الأيام العادية خالية من المواطنين ولا يوجد فيها إلا العاملون أو عدد ضئيل من زائريهم بل أن جلَّ المواطنين في الولايات والمحليات لا يعرفون أين تقع هذه الدور الحزبية بل أن أعداداً كبيرة منهم تجهل أسماء شاغلي المواقع القيادية بتلك الدور وارتباط المواطنين يكون بالدور الحكومية إذا كانت لهم أغراض فيها، ولكن لا شأن لهم بتلك الدور الحزبية، وينسحب هذا القول على دور الحركة الإسلامية، ولكن مع كل ذلك فإن للنظام الحاكم كوادر قيادية من القاعدة للقمة تعمل في تكتم وهدوء ولها منلوجها الداخلي وهي الممسكة بالخيوط الأمنية والتنظيمية والمعلوماتية، وهي التي تقوم بتوجيه دفة الأمور في كل المجالات وبينها رباط من القاعدة إلى القمة مروراً بكل المستويات الأخرى ويمكن أن نطلق عليها «كوادر التمكين» واذا تخلى عنها النظام بوضعه الراهن فإنه سيترنح لا محالة «وتصبح واطاتو» ولن يتم الاستغناء عنهم إذا لم تقم هياكل ومؤسسات حزبية فاعلة وقوية تملأ فراغهم وتحل محلهم، ولكن بغير ذلك سيحدث فراغ عريض وانهيار تنظيمي وقد ضاع زمن طويل هدراً لأن ربع قرن من الزمان كان كفيلاً بخلق وقيام دولة مؤسسات حقيقية، ولكن لا يمكن الاعتماد في تسيير الأمور بطريقة الحلقات المغلقة الضيقة الفوقية التي تعتمد على هذه الكوادر القاعدية والوسيطة ثم يتم الاستغناء عنهم دون إيجاد بديل يملأ فراغهم. وأن الولاة هم رؤساء حزب المؤتمر الوطني بولاياتهم وأن كل معتمد هو رئيس الحزب بمحليته، والملاحظ أن نواب رؤساء الحزب بالولايات والمحليات هم في الغالب مجرد تابعين لهؤلاء الولاة والمعتمدين ويدورون في فلكهم لأن الممسك بالمال هو الذي يمكن أن يتحكم في صناعة القرار وتنفيذه، وتبعاً لذلك يطل سؤال هو: هل هذه هي حكومة الحزب أم أن الحزب هو حزب الحكومة في ظل التماهي وإزالة الفواصل بينهما؟ وبالنسبة للمعتمدين فإنهم يعينون ولا يتم انتخابهم، ولكن كل منهم يصبح تلقائياً رئيساً للحزب الحاكم بمحليته رغم أنه غير منتخب لهذا الموقع الحزبي عن طريق المؤتمر العام للمحلية، فكيف يستقيم هذا الأمر؟! وأن العضوية القاعدية لحزب المؤتمر الوطني لا تجمع منها اشتراكات ولو رمزية ومع ذلك فإن الحزب يصرف بسخاء وبذخ لا تخطئه العين ويردد البعض أنهم يعتمدون على تبرعات الأثرياء المنتمين للحزب!! ويرددون أيضاً بأن للحزب شركات واستثمارات وما إلى ذلك، ومن حق الآخرين أن يتساءلوا هل هناك أية صلة بين الحزب والدولة ولو بحبل سري أم لا توجد صلة مباشرة أو غير مباشرة، وإذا كان من الصعوبة بمكان أن يلم كل الأعضاء على المستوى القاعدي بالتفاصيل المتعلقة بالشؤون المالية للحزب، فإن من حق كل عضو بمجلس الشورى أو بالمؤتمر العام للحزب أن يكون ملماً بما يحدث لأن الحزب ليس ضيعة خاصة أو بقالة تخص حساباتها أصحابها فقط، ولا يحق للآخرين حشر أنوفهم فيما لا يعنيهم!! ونحن الآن في شهر يناير وقد أعلن قبل ذلك أن هذا الشهر سيشهد إعادة تكوين لجان المؤتمر على المستوى القاعدي التحتي تدرجاً وصعوداً للمستويات الأعلى كما أشرت آنفاً، وإذا كانت هذه الإعادة ستتم فعلاً في هذا الوقت فلماذا لم تبدأ حتى الآن التعبئة والإعلان والإعلام المكثف عبر كل الوسائط الإعلامية، أم أن البعض يريدونها كالسالفات تقوم على حين غفلة لتتم الدعوة في القرى وأحياء المدن بطريقة باهتة قبل يوم أو يومين دون أن توليها القواعد اهتمامها، ويعلن في الغالب أن النصاب لم يكتمل ويعاد عقد المؤتمر في اليوم التالي بأي عدد يحضر ويتم تمرير قائمة تتضمن أعضاء اللجنة والمصعدين وأن طريقة «أم غمتي» هذه قد آن الأوان لتجاوزها وأن أي حديث الآن عن اختيار مرشح للحزب لموقع رئيس الجمهورية أو لمواقع الولاة أو النواب فإنه سابق لأوانه ولا يمكن وضع السقف قبل حفر وإعداد الأساس إذ أن المؤتمرات القاعدية لم تتم إعادة تكوينها حتى الآن، فكيف يتم الخوض في ترشيحات هي من صميم اختصاص المؤتمر العام القادم الذي لم يتم انتخاب أعضائه حتى الآن!! وأي حديث سابق لأوانه فيه إفراغ للشورى من محتواها وهدم للمؤسسية!! وذكر بروفيسور غندور أن الانتخابات ستكون مراقبة بدقة «مايكرسكوب» والعبرة ليست في المراقبة وسلامة الإجراءات، ولكن في منع الولاة والمعتمدين وكل أجهزتهم من التأثير على الناخبين بأية صورة من الصور بالترغيب أو الترهيب. وبعض المنتمين لأحزاب صغيرة ليس لها وزن يدركون أنهم لن يحصلوا على شيء يذكر إذا قامت الانتخابات حتى ولو كانت نزيهة. وعلى الدولة ألا تتدخل وتؤثر على الناخبين، وبعد ذلك فليحرد من يحرد وليقاطع من يقاطع وهذه مسألة تخصه ولا تخصنا. ونرجو أن يفتح المركز العام للمؤتمر الوطني المجال واسعاً بعقد ندوات جماهيرية مفتوحة لتقويم وإصلاح ما كان يجري في السودان في ربع القرن الماضي. ولبروفيسور إبراهيم غندور فائق الاحترام والتقدير فهو دمث الأخلاق وإنسان فاضل على المستوى الشخصي ،ولكننا نناقشه في أمر عام لا في شأن خاص ونأمل أن يبتدر المؤتمر الوطني نقاشاً حراً مسؤولاً مفتوحاً عبر ندوات حرة داخل وخارج دار المؤتمر الوطني بشارع المطار للوقوف على نبض الجماهير الحقيقي والاستماع لصوت الشعب بلا حواجز أو قيود .