النشاط الدبلوماسي الروسي تجاه الشرق الأوسط والدول العربية عموماً يتطور وبسرعة متزايدة، ففي العام الماضي الذي كان عاماً خاصاً في العلاقات الروسية العربية لعبت روسيا دوراً رئيساً في تسوية الأزمة السورية تلك التسوية التي أنقذت ليس فقط سوريا والمنطقة إنما أنقذت ذات أمريكا التي رضخت للمبادرة الروسية، وقد سجلت روسيا انتصاراً دبلوماسياً باهراً، الأمر الذي جعلها تمسك بزمام المبادرة!! وقد كان العام الماضي «2013» عام تطوير وتعزيز العلاقات مع الدول العربية حيث زار موسكو العديد من القادة العرب منهم العاهل الأردني عبد الله الثاني، والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس اللبناني ميشال سليمان ورئيس وزراء العراق نوري المالكي!! وفي ذات العام وصل الرئيس المصري محمود مرسي إلى موسكو، وبعد بضعة أشهر اجتمع الرئيس المؤقت عدلي منصور بوزيري الخارجية والدفاع الروسيين. وضمن جولة خارجية اجتمع وزير الخارجية لافروف بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة!! وقد شهدت العلاقات الروسية السعودية مرحلة جديدة أثناء لقاء الرئيس بوتن مع رئيس المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان، وقد شهد العام «2013» استمرار الاتصالات بين وزارة خارجية روسيا بوزارات خارجية الدول العربية. هذا النشاط الدبلوماسي الروسي يعبر عن رغبة أكيدة لروسيا في تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدول العربية ولا شك في أن هذه العلاقات تعود بالفائدة لكل الأطراف. والمعروف أن السياسة الروسية اليوم تقوم على مبدأ تبادل المنافع، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما أنها تخلو من الأطماع واستغلال حاجة الشعوب وقد ذكر القائم بالأعمال الروسي في الخرطوم أن روسيا ترمي إلى توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين شعبي روسيا والسودان، فروسيا قبل أن تستثمر تريد خدمة الشعب السوداني بإنشاء مستشفيات للعلاج وتقديم خدمات في مجال الرياضة وغيرها من الأنشطة الاجتماعية التي توطد العلاقات بين الشعبين الروسي والسوداني!! إن الرؤساء والملوك الذين زاروا موسكو خلال العام الماضي لم تكن زياراتهم للمجاملة إنما كانت لفتح وتطوير آفاق التعاون بين روسيا والعالم العربي وللمنفعة المتبادلة بين الشعوب العربية والروسية، كما أن فتح موسكو أبوابها للزعماء والملوك العرب يعني رغبتها الصادقة في التعاون مع الدول والشعوب العربية، وموسكو أصبحت تمثل جسراً بين الغرب الأوروبي والشرق العربي، فهناك عوامل كثيرة تؤهل موسكو للعب هذا الدور!! أول هذه العوامل أن روسيا تضم عدداً لا يستهان به من المسلمين وهم مواطنون روس على خلاف مسلمي أوروبا الذين معظمهم وافدين من دول إسلامية!! وتأتي هذه العوامل وهو عامل ديني أيضاً إذ أن الكنيسة الروسية هي الأرثودوكسية وهي نفس الكنيسة الشرقية!! والعامل الثالث الآخر وهو العامل الأهم وهو البساطة التي تتمتع بها الشعوب العربية والروسية. هذه الشعوب سريعة الاندماج مع بعضها البعض، وتتفق في كثير من التقاليد كالكرم والترحيب بالضيف وتقدم المساعدة، بعكس الشعوب الأوروبية والأمريكية التي دائماً ما تكون علاقاتها محدودة وفي نطاق ضيق، والشعب الروسي منفتح أكثر من غيره، كما أن الشعوب العربية هي الأخرى شعوب منفتحة!! كما كنت أتمنى أن يزور الرئيس السوداني موسكو ليفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، كما فعل أقرانه من الرؤساء في زياراتهم لموسكو. وزيارة رئيس الجمهورية وإبرام الاتفاقيات لمصلحة الشعبين أمر مرحب به في كل من موسكووالخرطوم!! وتأتي زيارة رئيس الجمهورية بأثر فعال يصب في توطيد العلاقات كما أن الاتفاقيات التي يمكن إبرامها بين الطرفين ستجد طريقها للتنفيذ، وقد أثبتت الزيارات التي قام بها الوزراء لموسكو لم تعد على البلدين بفائدة تذكر، لسبب بسيط وهو أن كل الوزراء الذين زاروا موسكو في العام الماضي وقبله لا وجود لهم في وزاراتهم، فقد تغيروا فالوزراء عرضة للتغيير دائماً، أما رئيس الجمهورية فهو الثابت الوحيد!! لذلك يجب أن تأخذ الاتفاقيات بين السودان وروسيا الطابع الرئاسي وهذا يلزم الجانب السوداني بالتنفيذ!! إن لدى روسيا الكثير الذي يمكن أن يستفاد منه في السودان في شتى المجالات، ففي الزراعة مثلاً نجد أن الاتحاد السوڤيتي كان مستورداً أساسياً للقمح واليوم روسيا تنتج ما يفوق التسعين مليون طن من الحبوب، التي بلغ إنتاجها في العام الماضي «91.3» مليون طن منها «52» مليون طن قمح وهذا يمثل الاكتفاء الذاتي لروسيا علاوة على تغطية طلبات المستوردين الأجانب!! في مجال المعادن تعتبر روسيا من أكبر منتجي الذهب والماس والألمونيوم والعديد من المعادن، أما في مجال البترول فيكفي القول بأن روسيا اليوم هي أكبر منتج للبترول في العالم بإنتاج زاد عن الاثني عشرة مليون برميل يومياً!! هذا إلى جانب خبراتها في مجالات السدود والسكة حديد والكهرباء والطرق وغيرها التي يحتاج إليها السودان حاجة ماسة!! ويمكن للسودان أن يكون جسراً بين روسيا وإفريقيا كما تثمل روسيا جسراً لأوروبا الغربية للشرق الأوسط!! إن شعوب روسيا والسودان تتوق إلى تعاون يفيد كلا منهما فهل يلبي الرؤساء رغبات شعوبهم الصادقة؟!