كم تكلف تلك العبوات الناسفة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية داخل السيارات المفخخة لتحدث بها من الخسائر المادية والبشرية الكثير؟ لا أظن أنه في مقدور شخص واحد أن يحصل مثلاً على عبوة ناسفة يقدر وزنها بطنين من مادة ال «تي. إن. تي» التي استخدمت يوماً ما في تفجيرٍ هزَّ شارع المال في لندن قبل سنوات قليلة وصلت تكاليفه إلى «3» مليارات من الدولارات؟ أو كم كلفت تلك العبوة الناسفة التي استخدمها صاحباها لنسف المبنى الحكومي في أوكلاهوما وأدى إلى مقتل «286» شخصاً. وهذا يعني ببساطة أن أعلى الأصوات أو الفرقعة يمكن الحصول عليها بأبهظ الأثمان، وكلما كان المدفوع في ثمن المتفجرات كبيراً كلما كانت فرقعتها هائلة. وعلى حسب ما جاء في المثل الإنجليزي والذي يقول «المال يتكلم»، فإننا نجده هنا يتكلم وبالصوت العالي جداً لأن الذي دفع منه كبير جداً. وعليه، فكل تلك التفجيرات ابتداء من القنبلة التي زرعت في عربة السكك الحديدية والتي كان من المقرر أن يجلس في داخلها الفوهور الألماني أدولف هتلر عام 1942م وفقاً للخطة التي وضعها بعض العسكريين الألمان مع بعض الساسة وذلك للتخلص من هتلر ووضع حد الحرب العالمية الثانية، ومروراً بالقنبلة التي زرعت تحت سيارة رئيس الوزراء الأسباني كاريرو بلانكو في عهد الرئيس فرانكو في السبعينات، وانتهاء بآخر قنبلة أو عبوة ناسفة في مصر أو في العراق أو موسكو، كلها كلفت أو تكلف أموالاً كثيرة لا قبل لفرد واحد أن يقوم بها ويتحصل على تلك المتفجرات مثلاً، ولهذا فإن مثل هذا العمل تموله جهات لها مصلحة في أن تقع تلك التفجيرات. وحسب التخطيط لتلك المهمات فإن العنصر البشري ربما يكون أرخص عنصر فيها، لأن البشر لا ثمن لهم فهم كثيرون مثل الهم على القلب، هذا إذا قُتلوا أو قُبض عليهم. نعم، فإن العنصر البشري الذي يقوم بزرع تلك العبوات الناسفة أو الذي يحملها ليفجر بها نفسه يمثل العنصر الأرخص من عناصر تلك الحلقة. وإن تعدد الانفجارات في جميع أنحاء العالم يدل على تعدد الجهات الممولة.. وفي كولومبيا مثلاً فإن تمويل العبوات الناسفة يأتي من عصابات المخدرات وأشهرها عصبة ميدايين التي تتحكم في مزارع وخطوط مخدرات بشبكاتها يقدر رأس مالها بمئات البلايين من الدولارات، حتى أن بابلو أسكوبار رئيس شبكة المخدرات الرئيسة الذي لقي حتفه في مواجهة مع قوات الشرطة الكولومبية، كان قد عرض على حكومة كولومبيا أن يدفع نيابة عنها جميع ديونها، وأن يعتمد لها ميزانية ذلك العام بأكملها من عنده مقابل أن توقف الحرب ضده. إلى هذا الحد تملك تلك الجماعات من الأموال التي تستطيع أن تمول بها عملياتها الإرهابية. وأخشى ما أخشاه أن يتقلص حجم تلك التفجيرات العادية التي اعتدنا عليها ليحل محلها تدريجياً تفجيرات من نوع آخر... تفجيرات نووية وهي تعرضها للبيع ويومئذ يصبح أخذ مدينة بأكملها رهينة لمن يملك سلاحاً نووياً أمراً ميسوراً. إن التصدع الذي أصاب دول المنظومة الاشتراكية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفيتي القديم وهي تملك من الأسلحة النووية ما لا تستطيع مراقبته والسيطرة عليه يجعل احتمال تسرب بعض تلك الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية أمراً متوقعاً.. خاصة والغبن العالمي في ازدياد.. مما يجعل الجو صالحاً لنمو تطرف نووي يفرض لغته ومفرداته.