المعارضة السودانية دوماً أزماتها متجددة مع النظام الحاكم «المؤتمر الوطني» ودوماً هو متهم بسوء النية مهما حاول التقرب إليها زلفى حيناً بدعوتها للمشاركة في حكومة قاعدة عريضة وحيناً آخر بإشراكها في وضع آليات المشاركة من قوانين وتشريعات منظمة للحريات العامة والعمل والممارسة السياسية الديمقراطية مثل قانون الانتخابات وآلياته، والمشاركة في مفوضية صناعة الدستور، كذلك حاولت الحكومة إجراء تعديلات هيكلية وتغيير المناصب السياسية بالأجهزة المختلفة. وكل ذلك لم يرض قوى المعارضة وظلت تقف في منتصف الطريف وتنشئ كل يوم أجساماً وتنظيمات معارضة جديدة.. فما الذي تريده المعارضة بالضبط وهل فشل تجمعها بالخارج فانتقلت إلى الداخل؟ أم أن انتهى دورها الخارجي بابرام «نيفاشا» عام 2005م فتحتمت عليها معارضة الداخل. والحزب الشيوعي «المعارض» هل ضعف خطابه السياسي أم له تحفظات؟ وما هي تحالفاته مع الجبهة الثورية ومبرراته. وما مطلوباته لديمقراطية سليمة؟ وهناك تغييرات خارجية كسقوط المعسكر الاشتراكي وانهياره، وداخلية ممثلة في وفاة السكرتير العام للحزب الشيوعي الأستاذ محمد إبراهيم نقد وإلى أي مدى أثرت في نشاط الحزب الشيوعي؟ ولماذا يعتبر ضيفنا «الشيوعي» في هذا الحوار الحكومة الحالية شمولية ويحملها ورصيفاتها العسكريات مسؤولية تاريخية؟.. كل ذلك وغيره من خلال حوار مع الأستاذ يوسف حسين، الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي.. فإلى إفاداته: لماذا تراجع نشاط حزبكم أخيراً؟ وهل لديكم تحفظات هي السبب في ذلك؟ وماذا عن مواقف إزاء الحكومة الحالية؟ حزبنا لم يتراجع في نشاطه أو يضعف خطابه السياسي، فمازلنا في خندق المعارضة للنظام الحاكم وطرحه بما في ذلك الدستور والانتخابات والسياسات الاقتصادية والزيادات الأخيرة في الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة، فقد كان لحزبنا رأي واضح إلى درجة أن السلطة الحاكمة اتهمتنا بأننا حرضنا الناس على الاحتجاجات والتظاهرات ضد السياسات الأخيرة للدولة؟ إذاً فأنتم تنفون غيابكم والآخرون يرون غير ذلك وأنكم أصبحتم ماضياً؟ حزبنا ليس غائباً وإنما مغيباً مع سبق الإصرار والترصد من قبل النظام الحاكم ومن أثر الكثافة الإعلامية له، فالزخم الذي يحيط به المؤتمر الوطني نفسه عبر كل الوسائط الموجودة أدى الى تكريس سياسة الإقصاء للآخر ولو كان هذا الآخر في قمة عطائه، وهذا ينطبق علينا نحن. كيف تكونون في قمة عطائكم وقد انهارت قمتكم نفسها عالمياً أقصد انهيار «المعسكر الاشتراكي»؟ صحيح أن انهيار المعسكر الاشتراكي أحدث ضعفاً في الحزب الشيوعي على مستوى العالم وليس السودان وحده. ونحن بوصفنا فصيلاً في هذه الحركة استناداً لتجربتنا في الواقع السوداني منذ منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، ومن الدروس التي خرجنا بها من تجربة الانهيار، فنحن ساعون لاستعادة نفوذنا، ويتبلور هذا في المؤتمر الخامس للحزب. هناك مؤثر محلي آخر يصب في خانة أسباب تراجعكم وهو وفاة السكرتير العام لحزبكم «السيد نقد»؟ رحيل السيد نقد السكرتير العام للحزب ترك أثراً حزيناً داخل حزبنا وترك أثراً مؤقتاً، ولكن سرعان ما استعاد الحزب وضعه لأننا حزب مؤسسات ولا نعتمد على العمل الفردي والأفراد بل العمل الجماعي والبرنامج الكلي للحزب. لجأت قوى المعارضة أخيراً الى التحالف الجبهوي في وجه الحكومة.. كيف يتم ذلك اختلافاً وائتلافاً؟ التحالف الجبهوي شرط الزامي وضروري لمواجهة الأنظمة الشمولية والدكتاتورية، والتحالف الجبهوي لا يعني انصهار مكوناته في حزب واحد، بل له استقلاله وخصوصيته، لذلك فالعمل الجبهوي ليس تنظيماً عمودياً مثل الأحزاب وإنما يتنوع بحسب القوى المشاركة فيه. تجمعات المعارضة دوماً لا تصمد فالتجمع الديمقراطي المعارض بالخارج بعد فشله نقل نشاطه الى السودان؟ التجمع الديمقراطي المعارض بالخارج لم يفشل ولم ينهر أو ينتهي، ولكن دوره المرسوم له كان قد اكتمل بإبرام اتفاقية نيفاشا عام 2005م، وبعد «نيفاشا» كان لزاماً عليه أن ينسحب بعد أن أنجز مهمته بنجاح فائق. إذن فالتجمع لم يفشل بنظرك وإنما هناك ظروف موضوعية جديدة استوجبت قيام جسم جديد لتحالف المعارضة؟ الظروف الجديدة التي اتت بعد ذلك استوجبت قيام تحالف معارضة جديد حسب متطلبات المرحلة، وبعدها جاء تنظيم قوى الإجماع الوطني ووضع ميثاقه والبديل الديمقراطي وورقة المبادئ الدستورية للفترة الانتقالية. مفوضية صناعة الدستور التي كونت أخيراً من القوى السياسية المختلفة ما رأيك فيها؟ نحن ضد الحكومة ولا نعترف بأي جسم أو مؤسسة تكونها، وبالتالي لا نعترف بهذه المفوضية، ولا نؤمن بأن الدستور الديمقراطي يمكن أن يخرج من رحم حكومة المؤتمر الوطني، وفي ظل هذه الظروف القهرية المقيدة للحريات، فالدستور أولاً يحتاج إلى مناخ ديمقراطي حتى يكون سليماً وديمقراطياً وشرعياً وموضوعاً برغبة الجميع. وما هي معايير الديمقراطية والسلامة وتلبية رغبات الجميع؟ المطلوب وضع حد للسياسة الفردية الحزبية ذات الصوت واللون الواحد وإعطاء الشعب فرصة حقيقية ليشارك في الحكم وتوفير الحريات وعلى رأسها حرية التعبير والحريات الصحفية، وإطلاق سراح الصحف التي تم إيقافها وهي: «الميدان ورأي الشعب وأجراس الحرية»، وكذلك الندوات في الميادين العامة، وبدون تحقق ذلك لن تكون أبداً هناك ديمقراطية أو دستور ديمقراطي في هذا البلد إلا بعد زوال النظام القائم حالياً وقيام حكومة انتقالية لإحداث التحول الديقراطي وإقامة حسن الجوار مع دولة جنوب السودان. أخيراً وقبل اندلاع الحرب الأهلية الجنوبية حدث تقدم في العلاقات الثنائية الشمالية والجنوبية ما رأيك فيها؟ نرى أن ما حدث من مقاربات بين الرئيسين الشمالي والجنوب سوداني غير كافٍ لإحداث النقلة التي نقصدها، فالنقطة الأساسية ليست المعايير وإنما الحدود كلها، فهناك أكثر من ألفي كيلومتر من منطقة حفرة النحاس وكافي كنجي حتى الحدود الإثيوبية يجب أن تكفل فيها حرية الانتقال للناس والبهائم والتجارة، وأن تلغى تشريعات حالة الطوارئ هناك ويسن قانون الحريات الأربع بين البلدين، وتحل مشكلة «أبيي» جذرياً. الجبهة الثورية لماذا دوماً تدخل أنفها في المعارضة السودانية فتزيد المشكلات تعقيداً بينها وبين الحكومة؟ المقصود المعنى وليس الاسم، والمهم في الأمر الأهداف والأسباب الشريفة الوطنية، وشتان ما بين هذا وجبهة أتت برئيسها بانقلاب عسكري سمته إنقاذاً للوطن، ثم اتضح أنه نظام شمولي حتى النخاع. معنى حديثك هذا أنكم ما زلتم ناقمين على الحكومة وتغلقون أي باب يفتح للتفاهم معكم؟ نحن في الحزب الشيوعي سنظل بالمعارضة نناضل حتى النصر، وتحقيق الديمقراطية الراسخة هي مسؤولية الحزب التاريخية والإنسانية والاجتماعية. التجربة الديمقراطية بالسودان ما تقييمك لها؟ فشل تطبيق الديمقراطية في الواقع السوداني اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً... الخ. لأنه واقع هش قد أنهكته القوى المعادية للديمقراطية، فهي حتى تجعله صاغراً مستسلماً لأمرها الشمولي، نجدها في سبيل تحقيق ذلك تغلق الباب أمام أية محاولة للديمقراطية وتبعد الجماهير عن تأثيراتها، وذلك على مدى تاريخ الأنظمة العسكرية الشمولية التي مرت بالسودان بدءاً بحكومة الرئيس عبود والرئيس نميري وانتهاءً بحكومة الرئيس البشير الحالية. إذن فأنت تحمل الحكومات العسكرية مسؤولية إجهاض الديمقراطية على اختلاف حقبها التي مرت بالسودان؟ هذه الحكومات العسكرية الشمولية التي ذكرتها مسؤولة مسؤولية تاريخية عن إجهاض الديمقراطية بالسودان على مدى أعوام وعقود طويلة من الزمان. .......؟ هذا مجرد كلام نظري لا يمت إلى الواقع بصلة، فالتطور والإدراك البشري يرفض الحكم العسكري، وبالتالي نرجع لنظرية «المستبد العادل» الذي يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً، فما دمت أيها الحاكم العسكري قد جئت إلى الحكم بدبابة وبندقية فلا تغيير يحدث أو نعترف به بعد هذا، فالتغيير الحقيقي يكون بمشاركة الجمهور، وأنت أجهضته بإجهاضك للحكم الديمقراطي «الديمقراطية الثالثة» فما حدث بالبلاد نكسة وليس ثورة. قوى المعارضة لها الحق في المعارضة واختلاف الرأي ولكن هل يحق لها التحالف مع الجبهة الثورية؟ شيء طبيعي أن يكون لكل تنظيم حرية التحالف مع غيره، فالجبهة الثورية قائمة وموجودة، كان المقصود بها ليس المعنى الحرفي وإنما المقصود خلق برنامج محدد لتفعيل العمل المعارض وتنشيطه. الحركة الشعبية «قطاع الشمال» متهمة بتأجيج الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق ومعلوم صلتها بالجبهة الثورية؟ الحركة الشعبية «قطاع الشمال» حزب قائم بذاته، وأي كلام أو اتهام له من النظام الحاكم خطأ يجب استدراكه، ففي رأينا مازال هناك مجال للتفاهم مع القطاع، والمدخل هو وقف الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق. كيف تنظر إلى مشكلة دارفور محلياً وعالمياً حيث دخلها عامل التدويل؟ مشكلة دارفور ليست كما زعمت الحكومة الحالية، بأنها نتاج للتدخل الإسرائيلي ودول الاستكبار العالمي بالمنطقة ولا النهب المسلح، وإنما سببها نقص الموارد للأسباب الآتية: أولاً: فشل مشروعات التنمية في مناطق «ساق النعام» و «جبل مرة» و «حزام الساڤنا» .... الخ. ثانياً: الجفاف والتصحر أدى إلى صراعات بين المزارعين والرعاة أي «أصحاب الحواكير»، وبالتالي فإن الفهم الخاطئ للحكومة لمشكلة دارفور أدى إلى فرض حالة الطوارئ بدارفور لأكثر من عشرين عاماً، وكونت ميليشيات خاصة. لكن الحكومة المركزية بالخرطوم حاولت حل المشكلة بالحكم اللا مركزي وإعادة تقسيم ولايات دارفور.. ألم يحل ذلك المشكلة؟ الحكومة قسمت الإقليم الواحد إلى خمس ولايات وأضعفت الإدارة الأهلية بسياسات المحاباة واللجوء إلى الحلول المنفردة مع فصيل بعينه وإقصاء الآخرين كما حدث في «أبوجا» و «الدوحة»، وهذا لن يحل الأزمة بل يفاقمها، فالواقع يشير إلى نزاعات قبيلة كثيرة حتى بين القبائل العربية مع بعضها البعض. وما هي الحلول المناسبة لمشكلة دارفور؟ حل أزمة دارفور لن يحدث إلا بمشاركة كل حركات دارفور ومكونات دارفور في مؤتمر جامع والتزام الحكومة بما يتم التوصل إليه فيه، لأن الاتفاقيات الثنائية لم تلتزم بها الحكومة، فأركو مني مناوي رئيس حركة تحرير السودان الذي خرج عن الحكومة وعاد إلى «التمرد» ضدها رغم أنه كان في منصب سيادي هو مساعد رئيس الجمهورية، لكنه علق قائلاً على وضعه بالحكومة أنه وجد نفسه أنه لا يربو حتى إلى مرتبة مساعد لوري بل مساعد «حلة» تطبخ الحكومة داخلها من تريده، وكذلك قال دكتور السيسي نفس المعنى «إن السلطة الاقليمية لدارفور معلقة في الهواء»، أما من الناحية الاجتماعية فهناك 09% من شباب دارفور عاطل ويجسد ذلك مدى كبر الأزمة فهذه مسؤولية الحكومة فليست هناك عملية تنمية بدارفور، وفشلت الخصخصة الاقتصادية وانتشر الفساد الإداري والمالي بالمؤسسات المختلفة. مشكلة أبيي طال عليها العهد وازدادت تعقيداً بعد حرب الجنوب كيف تحل بنظرك؟ مشكلة أبيي معقدة ولكنها ليست مستعصية على الحل، فأي حل حقيقي يكون بين «المسيرية والدينكا نقوك» والقبائل الأخرى بالمنطقة يكون مقبولاً، ولكن أي إقصاء للآخرين يكون خطأً من الطرف الذي فعله في حق الآخرين. هل الأطر القانونية والإدارية والبروتكولات كافية لحل هذه المشكلة؟ البروتكول والاتفاق والأطر القانونية والإدارية لن تحل المشكلة وحدها ويجب أن نساعدها «بجكة»، فهي وحدها لن تحل المشكلة ولا بد من عقد مؤتمر يجمع كل الأطراف بما في ذلك القبائل بالمنطقة والإدارة الأهلية والحكومية، فلا بد أن يتوصل المواطنون لتراضٍ حول الأمر أو يتم استكمال إدارية «أبيي» بين الخرطوم وجوبا. وما هي بنظرك الضمانات المطلوبة للإنفاذ المثالي والدقيق لذلك؟ حتى تكون الترتيبات الإدارية كاملة الدسم ولضمان عدم تجدد العنف بالمنطقة، نرى أن تستمر الإدارة الانتقالية لسنوات تحسباً لحدوث أية نزاعات غير مرئية، وثامبو أمبيكي يرى أن تكون ثلاث سنوات بعد قيام استفتاء «أبيي» ولكننا نرى أن تكون أكثر من ذلك. الحكومة تتهمكم بوصفكم قوى معارضة «الإجماع الوطني» بأنكم تعاندون ولا تريدون المشاركة، وتريدون إقصاءها دون مبرر بمطالبتكم أخيراً بحلها وقيام حكومة انتقالية؟ ما يحدث الآن مجرد فرقعات إعلامية وذر للرماد في العيون، فالمؤتمر الوطني يزعم أنه دعا المعارضة لحكومة قاعدة عريضة وفي ذات الوقت يحظر نشاطها، ولهذا نحن في قوى المعارضة طالبنا بعقد مؤتمر قومي جامع لكل القوى السياسية على اختلافها توطئة لقيام حكومة قومية انتقالية توقف السياسات القهرية بالبلاد، وطالبنا بتنحي الحكومة الحالية تمهيداً للحكومة الانتقالية، فعليها التنحي إذا كانت تريد مشاركة ديمقراطية حقيقية للجميع، وبعدها يختار الناس من يريدونه بعد الفترة الانتقالية. لكن الحكومة أبدت حسن النوايا ودعت القوى المعارضة للمشاركة في وضع آليات الانتخابات والمفوضية وصناعة الدستور؟ الانتخابات القادمة والدستور المرتقب وغيرها من الشعارات التي ترفعها حكومة المؤتمر الوطني وأن القوى السياسية المعارضة تحق لها المشاركة بآلياتها، كل ذلك لا يقنعنا، لأن هناك لوازم ومطلوبات لا بد من توفرها ليحدث التحول الديمقراطي الحقيقي، فما يحدث مجرد حلول مبتورة في غرف مغلقة وراء ظهر الشعب. وماذا عن الإصلاحات الأخيرة والتغييرات بالمناصب بأجهزة الدولة المختلفة.. ألا ترضيكم؟ الإصلاحات التي حدثت بأجهزة الدولة لن تحرك فينا ساكناً ولن تقنعنا بتغيير السياسات الشمولية القابضة، بل هي مجرد تغييرات شكلية ولا أسميها إصلاحات بل تغيير للوجوه وليس السياسات.