قال الكاتب: «وقوله إنهم يتخذون القبور مساجد ويبنون على القبور. فهذه مسألة خارجة عن الموضوع وقصد بها زيادة التجريح وعلى القارئ أن ينظر لهذا الموضوع في كتاب إحياء المقبور في استحباب أو جواز البناء على القبور للإمام الغماري». قلتُ: وهكذا هي المنهجية لدى من سهُل عندهم أمر الدين والعقيدة وتاهوا عن مصادر التشريع وأصبحت القضية لديهم إثبات معتقد عليه القوم يبحث له في الكتب عما يسنده ويدعمه، ومعلوم لدى من وفقهم الله أن كلام الرجال يستدل له ولا يستدل به، فإن الحكم الشرعي لأية مسألة يجب أن يؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فالكاتب يحيل في هذه المسألة إلى كتاب!! علماً بأني من باب الإلزام نقلت كلام الغماري في إبطال الحديث المكذوب الموضوع على النبي عليه الصلاة والسلام في أن مبدأ الخلق وأمر النور المحمدي الذي اختلقته بعض الصوفية ونسب زوراً إلى مصنف عبد الرزاق، فهل سيأخذ الكاتب به طالما أنه يشير ها على كتاب للغماري؟! وأما الحكم الشرعي المأخوذ مما ثبت في النصوص الشرعية في حكم البناء على القبور فهو أنه يحرم البناء على القبور ولا يجوز تجصيصها ولا وضع المصابيح عليها، ويجب أن يحتكم الجميع في ذلك وفي غيره للوحي من كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، والسلفيون عندما يبينون أنه لا يجوز البناء على القبور فإنهم يسيرون بتوجيه الصادق الأمين المصطفى المجتبى المرتضى عليه الصلاة والسلام فقد وردت أحاديث كثيرة بهذا الشأن ومنها ما قاله وهو على فراش الموت لبيان أن ذلك من وصاياه العظيمة لأمته، ومن تلك الأحاديث قوله: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»متفق عليه، وقوله: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» رواه مسلم، ولما ثبت أيضاً عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي عليه الصلاة والسلام: «أنه نهى عن تجصيص القبور، والقعود عليها، والبناء عليها»رواه مسلم. وعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله؟ أن لا أدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته» رواه مسلم. قال القرطبي المالكي: «وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم، وأما تعلية البناء الكثير على ما كانت الجاهلية تفعله تفخيماً وتعظيماً فذلك يهدم ويزال، فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، وتشبهاً بمن كان يعظم القبور ويعبدها، وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي ينبغي أن يقال هو حرام، والتسنيم في القبر ارتفاعه قدر شبر، مأخوذ من سنام البعير». وكلام الإمام القرطبي السابق هو ما نصّ عليه الإمام مالك رحمه الله في المدونة، وعلّق عليه سحنون رحمه الله «1/189» والقول بتحريم البناء على القبور تلقاه علماء الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة لوضوح الأحاديث الواردة في ذلك، وصراحتها، والبناء على القبور وتزيينها وإيقاد المصابيح عليها هو من الوسائل التي بسببها يقع بعض الناس في الشرك بالله تعالى وهو أعظم الأخطاء والمنكرات، فإن الشرك يكون بدعاء المقبورين والأموات وندائهم من دون الله تعالى، وتجصيص القبور وبناء القباب عليها هو من الوسائل التي توصل إلى ذلك. وحماية للمسلم في أهم ما يملك من المعتقد الصحيح نهى النبي الرؤوف الرحيم بأمته من ذلك. هكذا يجب أن تكون المنهجية في بناء الأحكام أن تبنى على ما قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام.. قال الكاتب: «فإن الكاتب لا ينظر إلى المولد إلا بعين النقد والتجريح والتنقيص فإن في المولد تلاوة القرآن وذكر الشمائل وغيرها من أنواع الأذكار ومحاضرات يقيمها علماء أجلاء ومعارض ينشر فيها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وإطعام الطعام وغير ذلك من الأعمال الصالحة» قلتُ: وتلاوة القرآن وذكر الشمائل وإقامة المحاضرات متاحة لنا في طيلة أيام العام، فهي ليست بحاجة إلى أن يقام ويحدث ويبتدع عيد واحتفال في دين الإسلام لم يشرعه الله تعالى لتقام فيه هذه الأمور التي تتيسر في كل وقت وآن.. وقد علّم النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه في كل الأوقات والساعات وهكذا صحابته الكرام لم يخصصوا يوم عيد مولد لإقامة ذلك، وإنما نشروا الحق في كل الأوقات والساعات.. فما اللازم بينهما؟! قال الكاتب: «ولكن إذا نظرنا نظرة عقل فاحصة كيف يكون ردك على الغرب عندما يسيء إلى الإسلام بفيلم أو مسرحية أو «فيديو كليب» هل تكتب لهم أن ابن تيمية قال كذا أو أن الحكم الشرعي هو كذا، أرجوا أن تتسع دائرة الفهم لديك لتدرك متطلبات العصر طالما أن الرسالة المحمدية صالحة لكل زمان ومكان». قلتُ: وهل يكون الرد على الغرب أو غيره بضرب الطبول و«دق الطار» والرقص والصياح والقيام للحضرة وما شابه ذلك؟! لقد دوّن في تأريخ الأمة الإسلامية جهود العلماء والأئمة في نشر محاسن الإسلام والتعريف بالدين في أصوله وأحكامه ومقاصده وغير ذلك وردت شبهات الكفار ولم يكن في وسائل ذلك إحداث مولد أو إقامة ليال للمديح وضرب النوبات.. ولا يخفى على كثيرين ما الذي يغضب الغرب وما الذي يفرحه؟! هل يغضب الغرب وغيره لما تفعله الصوفية في ساحاتها مما نسب للإسلام والإسلام منه برئ أم يغضب للجهود العلمية والتزام السنة النبوية ونشرها بين الناس نقية من البدع والمحدثات والشوائب؟! قال الكاتب: «قال الفوزان ص 14- من تلك الرسالة «ومن الفرق الضالة المعاصرة: فرقة حسن البنا «الإخوانية» و فرقة حسن الترابي «الترابية» وفرقة سيد قطب «القطبية» و فرقة محمد سرور «السرورية» وفرقة عبد الرحمن عبد الخالق «التراثية» وفرقة محمد إلياس «التبليغية» وفرقة محمود الحداد «الحدادية» وفرقة الحبشي». قلتُ : لقد «كذب» القارئ في نسبة هذا القول للشيخ الدكتور صالح الفوزان.. ومؤسف جداً أن يتنقّل الكاتب بين الافتراءات العامة والافتراءات على الأفراد !! فقد أورد في مقالاته هذه دعاوى واتهامات وأكاذيب تمنيت لو أنه لم يتعجّل لنشرها.. ولي بفضل الله سنوات طويلة بهذه الصحيفة وبأحد أكبر منتديات الحوار السودانية وناقشت خلال السنوات الماضية بالصحيفة وتلك المنتديات كتاباً عديدين وتحاورت في المنتديات مع ملاحدة وليبراليين ورافضة شيعة وجمهوريين ونصارى وغيرهم، إلا أني لم ألق جريئاً في نشر الكذب والافتراء مثل كاتبنا أبي عبيدة عمر .. فهل سيعتذر هذه المرة أبو عبيدة عن كذبه على الفوزان أم سيحاول تغليفه باللف والدوران كما فعل في إدعائه أن ابن تيمية جوّز بدعة المولد؟! ولأسهل عليه المهمة فإن العبارة أعلاه هي من قول معلق على كلام للشيخ الفوزان وليست للشيخ نفسه كما جزم الكاتب وهو بذلك ضحية لتقليد أعمى لم يشم رائحة البحث.. للأسف الشديد. عموماً سأواصل التعليق على موضوعات أخرى رغم الحال لمن أعلق على قوله، تبياناً وتوضيحاً للحق وإتماماً لإفادة للقراء المتابعين لهذه الحلقات وأطمع أن ينبري لي من المتصوفة من يستحق أن يناقش فالتزام المصداقية والأمانة العلمية شرط محقق وضروري لأي نقاش ينتظر منه الإفادة.. وأواصل إن شاء الله في الحلقة القادمة ..