المقالان اللذان نشرهما الكاتب أبو عبيدة في التعليق على مقاليَّ اللذين نشرتهما بعنوان: «ثماني وقفات مع المحتفلين بالمولد» تضمنا أي ما كتبه كلاماً قليلاً في الجانب الأساسي وهو حكم المولد، حيث كان تركيزه وأكثر ما كتبه فيهما في جوانب تابعة، لذا حرصت في الحلقة الماضية وهذه الحلقة على تقديم ما يتعلق بالموضوع الرئيس وأتبعُ بعد ذلك إن شاء الله بقية الموضوعات. قال الكاتب: «فكيف لا يكون الاحتفال بالمولد في هذا الزمان ضرورة». قلتُ: هل الكاتب في بيان هذا الحكم مقلد أم مجتهد؟! وهل يعلم ماذا تعني الضرورة؟! وما معناها؟! وكيف يكون ضرب النوبات وقراءة الأشعار والقصائد التي بعضها غلو وشرك ورفع الرايات في الساحات ونصب الخيام وتلك الأفعال التي تختم ب «يوم الزّفَة» وما يحدث فيه من الأخطاء والأخطار الأخلاقية، كيف يكون ذلك ضرورة؟! ما الذي يتحقق في ذلك؟! وما الذي يفوت من ترك تلك الأفعال؟! والكاتب دون أن يشعر أكّد معلومة راسخة هي أن هؤلاء الذين يحتفلون في المولد بالنبي عليه الصلاة والسلام يزهدون فيه في بقية العام!! ولو لم يكن الأمر كذلك لما قال الكاتب إن عمل المولد ضرورة.. فإن كان الأمر نشر هدي والتعريف بالنبي عليه الصلاة والسلام فما الذي يمنع من نشر ذلك في كل أيام العام؟! وهذا ما عليه أهل السنة، فإنهم مع النبي عليه الصلاة والسلام طيلة أيام العام، بدءاً بالعقيدة والتوحيد وهو أعظم ما اعتنى به النبي عليه الصلاة والسلام سواء في العهد المكي أم في المدني وإلى آخر يوم انتقل فيه إلى الرفيق الأعلى وهو يحذر من اتخاذ القبور مساجد، ومن جعل القبور عيداً، ومن البناء على القبور وهذا الذي ينهى عنه عليه الصلاة والسلام للأسف الشديد هو من أكبر شعارات الصوفية ومحل عنايتهم.. إن أهل السنة مع النبي عليه الصلاة والسلام في كل الأيام والشهور وشعارهم قول النبي عليه الصلاة والسلام: «خير الهدي هدي محمد»، معه في هديه وفي أخلاقه وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي صلاته وفي لباسه وما أمر به من لباس المؤمنات وفي بيعه وشرائه وسائر أحواله.. فقول الكاتب إن الاحتفال بالمولد ضرورة قول مردود يؤكد به مدى اهتمام المتصوفة بالهدي النبوي واقتدائهم به.. وقال: «يجب أن ينظر العلماء إلى المولد النبوي من ناحية المعنى والمضمون والهدف والنتيجة «المؤمن كيس فطن» قلتُ: بل يجب أن ينظر العلماء إلى المولد نظر اتباع لا ابتداع ونظر سنة لا بدعة ونظر طاعة لا إضاعة.. فنحن نتبع الوحي ونسير على طريقه، وقد أُمرنا بالسير على طريقته وعدم الإحداث والابتداع والاستدراك على الشرع وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام من التبديل والتغيير والإحداث والتشريع بما لم يشرعه عليه الصلاة والسلام ومما قال في ذلك: «وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلاَ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِى كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلاَ هَلُمَّ. فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا » رواه البخاري ومسلم. وأما قوله ناحية المضمون والهدف والنتيجة فيكفي في ذلك ما آل إليه دعوى تعظيم النبي عليه الصلاة والسلام من غير استقامة على شريعته فتخرّج لنا من ذلك ما يقدم في قناة ساهور من نساء في كامل زينتهن وفي مناظر مؤذية ومعهن الرجال وبالموسيقا فينشدون قصائد الصوفية والناس بعضهم يطربون وأكثرهم ينكرون لكن دون أن تتوقف المهزلة!! وخرجت لنا دعوة: الهدف والنتيجة شيخ البيبسي وما نُشر في الصحف بشأن من حوله من المتبرجات والطريقة التي يقدم بها ما يدعون أنه ذكر لله تعالى وتعظيم للنبي عليه الصلاة والسلام.. وأذية الناس العامة والخاصة من ذلك.. فهذه هي النتائج لترك ضوابط الشريعة والسير خلف الشعارات دون التقيد بالوحي الذي لا يجوز تعديه في أمر العبادات وكما قال الصحابة: «كل عبادة لم يتعبدها أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فلا تعبدوها». قال الكاتب: «نحن نواجه حملة إعلامية وفكرية يستهدف فيها أعداء الدين ذات المصطفى صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وأفكاره في فضاء الإعلام الواسع. ولا تختلف الوقفات التي وقفتها كثيرًا عمّا يفعله أعداء الإسلام من إساءة للدين ولعلماء المسلمين حيث إنها في نظري من التخذيل أوهي مما ينشر الإحباط بين أهل الملة». قلتُ: الحملة الإعلامية نواجهها بالعلم وليس بالبدع، نواجهها بنشر الكتب والمحاضرات والشمائل المحمدية، نواجهها بما كان عليه أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة الأربعة وإخوانهم، فإنهم قد نشروا العلم والسنة فسروا الآيات وشرحوا الأحكام وبينوا محاسن الدين ووضحوا مقاصد التشريع، وعرّفوا الأمم بشمائل النبي عليه الصلاة والسلام وخصائصه وتركوا لنا من ذلك تراثاً عظيماً ورثناه من الدواوين والمسانيد والصحاح والكتب العلمية النافعة التي هي من مشكاة النبوة فهدى الله بها من يشاء من عباده.. فهل نواجه الحملات الإعلامية في تشويه الإسلام ونبيه هل نواجهها بالرقص وضرب النوبات واختلاط الرجال بالنساء والصرع عند الذكر المحدث والغيبة كما يصفها صاحب ديوان رياض الجنة بقوله عن لحظات الذكر: لما تعاطاها أهل العلم صاحبهم حال الج***نون فيا ويح الشجي الحاسي وقال: وأدام ذكر الله حتى قيل مج***نون وقالوا إنه كالأبله وقال: اذكر إلهك بكرة وعشيا حتى تخر على الثرى مغشيا وغير ذلك مما يجب أن يخفى ويختفي من مظاهر الصرع والرقص والغيبوبة التي تسيء للإسلام ولم يكن عليها علماء الإسلام ولم ترد عن الصحابة ولا التابعين ولا تابع التابعين ولا غيرهم من الأئمة الأربعة وغيرهم من إخوانهم أهل العلم، وتلك المظاهر التي يجب أن لا تبرز فإنها وفي ذلك شهادات واعترافات منشورة مما يفرح بها أعداء الإسلام ويحزن لها الحريصون على هذا الدين. وأما ادعاء الكاتب أن ما نشرته من بيان حكم المولد هو من التخذيل فهو قول مردود، فإن نصرة النبي عليه الصلاة والسلام تكون بالعمل بسنته وطاعته والاقتداء به ونشر هديه بين الناس ونصرة دينه وما كان عليه من اعتقاد وما دعا إليه من التوحيد والتمسك بالسنة.. وإن رد البدع والمحدثات هو من هدي النبي عليه الصلاة والسلام الذي كان يردد في خطبة الحاجة: «إن شر الأمور محدثاتها».. وقد كان إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الذي تشرفت بأن يكون بحثي في الماجستير في تطبيقاته لأصل سد الذرائع كان كثيراً ما يردد هذا البيت: وخير أمور الدين ما كان سنة *** وشر الأمور المحدثات البدائع ألا فليعلم الكاتب أن معنى شهادة أن محمداً رسول الله هو: طاعته في ما أمر وتصديقه في ما أخبر والانتهاء عما نهى عنه وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع.. وقال الكاتب: «بل حتى ابن تيمية قدوة السلفية أجاز المولد واختار هذا الكاتب كلام بن الحاج لشذوذه ولأنه موافق لهواه» قلتُ: قول الكاتب إن ابن تيمية «أجاز» المولد هو من الخطأ الكبير ومن الافتراء الواضح على ابن تيمية، ولا أدري هل السبب في وقوع الكاتب في هذه «الفرية» هل هو تقليده للكتاب الذي سمّاه وبين أخذه منه؟! أم من تلاميذ الشيخ مؤلف الكتاب الذين اختارهم ليورد لنا منهم ما يتزود به في الرد على مقاليّ في حكم المولد؟! قال ابن تيمية: «وَأَمَّا اتِّخَاذُ مَوْسِمٍ غَيْرِ الْمَوَاسِمِ الشَّرْعِيَّةِ كَبَعْضِ لَيَالِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ الَّتِي يُقَالُ إنَّهَا لَيْلَةُ الْمَوْلِدِ، أَوْ بَعْضُ لَيَالِي رَجَبٍ، أَوْ ثَامِنَ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ، أَوْ أَوَّلُ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، أَوْ ثَامِنُ شَوَّالٍ الَّذِي يُسَمِّيه الْجُهَّالُ » عِيدُ الْأَبْرَارِ »، فَإِنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَسْتَحِبَّهَا السَّلَفُ وَلَمْ يَفْعَلُوهَا» الفتاوى الكبرى «4/414»، وقال: «.. لكن اتخاذه عادة دائرة بدوران الأوقات مكروه لما فيه من تغيير الشريعة وتشبيه غير المشروع بالمشروع ولو ساغ ذلك لساغ أن يعمل صلاة أخرى وقت الضحى أو بين الظهر والعصر أو تراويح في شعبان أو أذان في العيدين أو حج إلى الصخرة ببيت المقدس وهذا تغيير لدين الله وتبديل له وهكذا القول فى ليلة المولد وغيرها والبدع المكروهة ما لم تكن مستحبة فى الشريعة وهي أن يشرع ما لم يأذن به الله فمن جعل شيئًا دينًا وقربة بلا شرع من الله فهو مبتدع ضال» مجموع الفتاوى «23/133». هذا مما قاله ابن تيمية في حكم الاحتفال بالمولد، ويبدو أن الكاتب وقع في هذه الفرية بادعاء أن ابن تيمية يجيز هذه البدعة بسبب نقل آخر في مسألة القصد لبعض من يجهل الحكم وذلك أمر آخر غير إجازة البدعة.. وحتى اللقاء في الحلقة التالية إن شاء الله أرجو أن يقوم الكاتب بالتصحيح لمن قلدهم في ما نقله من هذه الفرية القبيحة..