المتتبع لخطاب الرئيس والقارئ لما بين سطوره يستنتج أمراً واحداً وهو أن الخطاب يُبطن استغاثة، رغم عدم ظهورها مباشرة!!! هذه الاستغاثة تم التعبير عنها بالوثبة. والمقصود بالوثبة هنا الخروج من الواقع المرير الذي تعيشه البلاد دون التعرض لشرح ذلك الواقع المرير الذي يعيش فيه نظام الحكم الذي فقد القدرة على الاستمرار!!!. إن نظام الحكم ظن أنه بإضعاف المعارضة ستبدو له الحياة رغدة وقد أنهى بالفعل الصراع على الحكم على الأقل من جانب المعارضة، لكن الذي أغفله النظام أن الصراع أمر حتمي وأن الحياة لا تستقيم بدونه، والذي حدث أن الصراع على السلطة انتقل من خارجها إلى داخلها حيث إن الحياة لا تستقيم إلا بالصراع!!! وقد بدأت بوادر هذا الصراع داخل السلطة تظهر للعيان بعد مذكرة العشرة والتي أحدثت شرخاً كبيراً في النظام ظل يعاني منه بأكثر مما عاني من الحصار ومواجهة التمرد المسلح!!!. وقد ظل النظام ينفي وجود صراع داخل السلطة ولم يصفه بالصراع بل وصفه بالخلاف، ويعلن دائماً أن العلاقات بين أطراف السلطة هي علاقات قوية، لكن الأمر كان على عكس ذلك تماماً وقد برز الخلاف بتكرار المذكرات منها المذكرة الألفية ومذكرة الإصلاحيين وغيرها.. فالسلطة رغم إنكارها الخلاف والصراع فيما بين أفرادها إلا أن المواطن البسيط يتحدث عن تلك الخلافات، ورغم الإنكار الدائم من السلطة إلا أن واقع الأمر يقول «تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى»!!!. والوثبة المعنية في الخطاب هي القفز من الواقع الذي يعيشه النظام إلى واقع آخر وهذه الوثبة شأن داخلي ينفذه ذات النظام الذي اقتنع أخيراً بخطل سياساته، ولا أظن أن المعارضة يمكن أن تساعد النظام في الوثوب أو القفز من حالته المتردية التي يعيش ليبقى النظام حاكما كما كان والمعارضة معارضة كما كانت!!!. وعلى النظام أن يثوب إلى العقل، فيطهر ثوبه الذي أصبح أسود من الدنس بعد أن كان أبيضاً والمطلوب في هذه الحالة هو الوثوب إلى العقل لا الوثبة من واقع مرير وضع النظام نفسه فيه وكان الشعب هو أكثر المعانيين من هذا الواقع!!!. والوثبة هنا مستحيلة فالنظام سياسياً واقتصادياً أصيب بالشلل التام نتيجة الصراعات الداخلية فيه وما ترتب عن ذلك من انهيار اقتصادي واجتماعي واخلاقي وفساد هذا اضافة للضغوط الخارجية التي تمارس عليه!!! والوثبة لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع إلا بعد الثوبة إلى العقل والرشد، غير هذا فإن أي وثبة يقوم بها النظام إنما هي في فراغ!!!. وأي وثبة في فراغ تعيد إلى نفس النقطة المراد تخطيها هذا إذا لم تنقل إلى وضع أكثر سوءاً!!! قبل كل شيء يجب أن يعترف النظام بفشله عن تقديم شيء ينتشل البلاد من واقعها المرير، وهذا ما لم يعترف به النظام، وكلما أراده النظام إصلاح بعض سياساته التي ثبت فشلها، وقد أورد الرئيس أنهم نجحوا في سياسات وفشلوا في أخرى ولعل المراد من جمع المعارضة ان تساعد في انجاح الفاشل من السياسات وأن يندغموا في الحكم ويبقى النظام هو المسيطر!!. وتطالب المعارضة بتشكيل حكومة قومية وهي تدرك تماماً عدم اقتناعها بالحكومة القومية، والتجارب السياسية في السودان تدل على فشل الحكومة القومية فتجربة ما بعد عبود وما بعد نميري، أكبر دليل على ذلك. ذلك لأن مفهوم القومية مفهوم ضعيف لدى الاحزاب السياسية التي كانت ترفض مبدأ الحكومة القومية بعد كل انتخابات تجري فتشكل الحكومة الائتلافية بين الحزبين وقبل أن تنتهي دورتها تزاح بانقلاب عسكري!!. ففي الحكومة القومية كل حزب ينادي بسياساته، فتصبح هذه الحكومة منبراً للخلافات الحزبية والذي يعاني من هذه الخلافات هو السودان!!. نظام الحكم ومعارضته يريدان تكرار تجارب تمت ممارستها من بعد الاستقلال وحتى اليوم، والتجربة الواحدة تؤدي إلى نتيجة واحدة مهما تم تكرارها!!. إن على النظام الحاكم ومعارضته أن يثوبوا إلى رشدهم قبل الوثوب إلى واقع مغاير فالنظام مشلول والمعارضة عرجاء وكلاهما لا يستطيع الوثوب!!