نشرت الزميلة صحيفة «آخر لحظة» أمس بياناً صادراً من هيئة علماء السودان بشأن الخطاب الأخير للسيد رئيس الجمهورية ذكرت فيه أنه أشار إلى مجموعة من القضايا المهمة التي تحتاج إلى إدارة حوار واسع حولها حتى تحقق الأهداف المرجوة والمقاصد المعتبرة. وأضاف البيان أن الهيئة مشاركة منها في إجواء الرأي والقيام بواجب النصيحة ترى أن الحوار الإيجابي ينبغي أن يعين على وضع الدستور المرتقب حتى تطمئن الأمة إلى حفظ معتقدها وحماية دينها، وحراسة مكتسباتها، وإقامة مبادئ السلم والأمن، وحفظ حقوق الإنسان على أسس الدين الحنيف، ومواثيق الرضا الاجتماعي. ودعا البيان إلى إبراز رؤية شاملة تتأسس على الحق والعدل ورفع الظلم وإدانة حمل السلاح في وجه الآمنين والأبرياء، أو جعله وسيلة لأخذ الحقوق، والتوافق على السير في طريق السلام، مؤكداً أن تبعات ذلك مهما كانت أخف وأفضل من تبعات السير في طريق الحروب والمعارك. كما دعا إلى اعتماد مبدأ الحرية والكرامة الإنسانية، وأكد أنه هو المبدأ الذي تتجلى فيه عقيدة الإيمان قولاً وفعلاً. وأشار البيان إلى أن السلبيات في المجال الاقتصادي ما زالت أكثر من الإيجابيات. وكذلك ذكر البيان أنه ينبعي الحفاظ على الهوية السودانية المتميزة حتى لا يعبث بها عابث فيرد الأمر إلى عصبية قبلية، وحروب جهوية، وخلافات إثنية كما يخطط الأعداء ويتربصون بنا. وفي ذات الإطار نشرت الزميلة صحيفة «المجهر» أمس حواراً مع الأمين العام لهيئة علماء السودان إبراهيم الكاروري ذكر فيه أنهم هيئة شعبية غير تابعة لأية وزارة أو جهة حكومية، وأنهم ليسوا حزباً تابعاً للحكومة، وليسوا معارضين لها. ولهذا يجب على المؤيدين للحكومة ألاَّ يطالبوا الهيئة بتأييدها في كل شيء، كما يجب على المعارضين ألاَّ يتوقعوا منها معارضتها في كل شيء. وأضاف د. الكاروري أن كل من هؤلاء يبحث عن المكسب السياسي، ونحن نبحث عن مكسب الأمة في طاعة الله سبحانه وتعالى، وتوخى الحذر في كل شيء لأنه إذا أصبحنا علماء سلطان فإن الأمة لن تستمع لنا. ونحن ليست لدينا مصلحة في تجميل وجه السلطان. ولهذا نحن نفتكر أننا أمام السلطان، وإذا كانت عربة السلطان متحركة فنحن بمثابة الضوء لها وللأمة. وبناء على هذا ومواصلة لما انتهينا إليه أمس بشأن صلة الدين بالسياسة والإشارة إلى ما أورده في هذا الصدد وبهذا الخصوص الباحث المصري المتميز يوسف زيدان في كتابه الصادر عن دار الشروق للنشر في القاهرة بعنوان «اللاهوت العربي وأصول العنف الديني» فقد يكون من المفيد أن نشير إلى ما ورد في ختام الكتاب تحت عنوان «جدلية العلاقة بين الدين والعنف والسياسة»، حيث أشار الباحث المصري إلى مشاركته في مؤتمر دولي انعقد في العاصمة الأوزبكية «طشقند» عام 1999م تحت عنوان «الدين والديمقراطية»، وذلك بمشاركة نخبة من المختصين الذين اجتمعوا لمناقشة قضية العلاقة بين الدين والسياسة، وهي القضية الرئيسة التي تفرعت منها قضايا تفصيلية في ذلك المؤتمر، مثل طبيعة الديانات السماوية، وارتباط حركات العنف السياسي بالدين، وأشكال العنف الديني، وأثر الدين في الممارسات السياسية، وغير ذلك من الموضوعات المرتبطة بهذه القضية المحورية. ويضيف الباحث المصري أنه بعد ثلاثة أيام من المناقشات المستفيضة انتهى مؤتمر طشقند ببيان تاريخي يدعو إلى الفصل بين جوهر الدين وظواهر العنف باسم الدين، وتوجيه الأنظار نحو مواطن التسامح في الديانات وتأكيد الأبعاد الإنسانية في كل دين. ولكن مع أن إعلان طشقند تم تعميمه على نطاق واسع، وحظي بتغطية إعلامية كبيرة واهتمام سياسي كبير في عدد وافر من الدول إلاّ أن السنوات الثلاث التالية شهدت استمراراً لعمليات العنف الديني والعنف باسم الدين، وشهدت في المقابل كثيراً من عمليات العنف باسم محاربة الإرهاب الديني. ولما كانت البندقية أعلى صوتاً من الكلمات فقد دخل العالم في دوّامات من العنف والعنف المضاد. وهي دوامات شديدة وعديدة كان من الممكن تجنبها لو استمع صناع القرار بعناية للصوت المتعقل الذي انطلق في طشقند وعبر عنه إعلانها التاريخي المشار إليه. ويضيف الباحث المصري أنه نظراً للآثار المدمرة لحركة الجدل الثلاثي الدائر بين الدين والعنف والسياسة في زماننا الحالي الذي يزخر فيه العالم بدوامات عنف شديدة منها ما هو بسبب تعارض المصالح أو التعصب القبلي، أو الخلافات الحدودية، أو غير ذلك من أسباب منطقية وغير منطقية تغذي على نحو مباشر وغير مباشر عجلة العنف العالمية فإن الهدف الأول لنا هو محاولة استشراف أفق التعايش السلمي بين الدين والسياسية والتوازن العادل بينهما بحيث نتجنب دخول العنف في هذه الدائرة. وللخروج من هذا المأزق نوجز الحل الذي نراه في نقاط أولها الفهم والتفهم حيث لا يمكن معالجة عملية التفاعل الضروري بين الدين والسياسة إلاّ استناداً لفهم عميق متبادل لطبيعة ما هو ديني وما هو سياسي. ولن يتأتى هذا الفهم إلاّ بالاعتراف المتبادل بمشروعية النظرة السياسية «الممكنة» وضرورة النظرة الدينية «المطلقة» بالنسبة للمجتمعات. فلا بد من تكريس هذا الوعي لدى أفراد المجتمع، وتأكيده ببرامج تثقيفية ومناهج تربوية توضح ذلك التلازم بين «الممكن والمطلق»، وتكرس تكاملهما في العملية الاجتماعية بعيداً عن «الطنطنة العلمانية» الجوفاء بانفصال الدين عن السياسة، وبعيداً عن التظاهرات الخرقاء المسماة «حوار الأديان» الزاعمة بأن الأديان كلها تدعو للمحبة والسلام. ويتصل بهذا الفهم المتبادل ويرتبط على نحو وثيق تأكيد الحقيقة المتمثلة في أن كل طرح «تبادلي» معاصر بين السياسة والدين هو أمر زائف على أحسن تقدير، ومدمر على أفضل تقدير وذلك بمعنى أن السياسة «المعترف بمشروعيتها» لا يجوز لها أن تسعى لنفي الدين «المعترف بضرورته» لصالحها. وفي المقابل فإن على الفكر الديني أن يسعى لتأكيد ذاته بالتعمق في التجربة الروحية، وليس الإزاحة المستمرة لدائرة السياسة والتقليل من أهميتها بدعوى أن الدين هو الحل، أو أن ملكوت السماء مملوك لرؤساء الدين. ومن ناحية أخرى لا بد أن يصل الوعي الإنساني لفهم عميق وإدراك لطبيعة التداخل بين العملية السياسية والخبرة الدينية على أسس مجتمعية وفردية قومية.