سُرَّ الكثيرون بقرار وزارة التربية والتعليم بمنع الهواتف الذكية وعدم السماح بها للطلاب والطالبات، حيث أنها من الوسائل السريعة لتبادل الصور والمقاطع وروابط المواقع خاصة عبر برنامج «الواتساب» وموقع «الفيس بوك» وغيرهما.. وهو قرار موفق إذ لا يخفى التأثير السيء لهذه الوسائط على الطلاب والطالبات في المرحلة الثانوية وهم في هذا العمر.. ومع أن كثيرين منهم في عافية ولم ولن يستخدموها في الشر والمعاصي والمقاطع الفاضحة والمخالفة للشرع وللمروءة حيث أنهم يستخدمونها في الخير فقط، إلا أنه كما هو مقرر في القاعدة الشرعية المتفق عليها أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.. ويدرك أهمية هذا القرار من يعلم شيئاً ولو يسيراً عن تخطيط أعداء الإسلام عموماً وهذا المجتمع خصوصاً لضرب واحدٍ من أهم مقوماته ألا وهم الشباب المتمسك بدينه الفخور به الطموح لخدمة دينه وبلاده.. لقد أدّت الوزارة واجبها وأصدرت القرار بالمنع في المدارس، لكن ما العمل في بقية الأوقات من العصر وحتى الفجر؟! وإذا كان من يرغب في استخدام هذه الوسائل في السوء والفساد امتنع عنها إلزاماً في المدرسة فما شأنه في بقية يومه؟! وما الثمرة المتحققة عن امتناع من اتجه لتبادل المحرمات والموبقات والمناظر الفاضحات سويعات ثم هو معها ساعات وساعات في الشارع أم في المحطة أم أمام البقالة أم في الملعب أم داخل بيته ووسط أسرته؟! هذه الأسئلة أردت أن ألفت بها الانتباه إلى ضرورة تكامل الجهود واجتماعها من كل من يهمه الأمر للقيام بما يجب في حراسة الفضيلة، والمحافظة على فلذات الأكباد وتوجيههم، وكف الشر التي يتربص بهم وإفشال مخططات الدمار الذي يكاد بهم. إذا كانت المدرسة تحزم أمرها وتحسن التوجيه فإن بعض الأسر للأسف ليس فيها الموجه ولا الرقيب!! والعكس أحياناً.. وقد يكون بعض القائمين على بعض الأسر ليسوا هم قدوة صالحة لأبنائهم.. وفاقد الشيء لا يعطيه.. وإذا كانت بعض الأسر تجتهد في التربية الصحيحة لأبنائها ثم تساهم بعض وسائل الإعلام في مشاركة تلك الأسر دورها في توجيه أبنائها بما تقدم من مسلسلات وأفلام وقصص غرام وصلات محرمة بما يهيج الشهوات ويضعف الإيمان ويحصل بسببه الإنحراف.. وفي هذا المقام فإنه يجب بيان أن المنهج الصحيح يكون في غرس العقيدة الصحيحة في قلوب الناشئة والأبناء والبنات.. تعليمهم الإيمان بالله وباليوم الآخر وبقية أركان الإيمان، تربيتهم على أن الله سبحانه وتعالى يطلع عليهم ولا تخفى عليه منهم خافية.. وأنه يجازيهم في العاجل والآجل على أعمالهم.. وأنه يسخط ويغضب ويرضى ويحب ويرفع ويخفض ويعز ويذل سبحانه وتعالى.. ليتأمل كل مربٍّ في وصايا لقمان لابنه وفيه قوله: «يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ».. هذه هي التربية على المعتقد الصحيح من معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته ومعرفة ثوابه وعقابه والغاية من خلق الخلق.. إنها العناية بالقلب وهو المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله.. فالعناية بالقلب من البيت والأسرة وإمام المسجد وخطيبه والمدرس والموجّه وغيرهم هي أساس النجاح والتوفيق والنجاة والسلامة.. عندها إذا لقي الشاب أو الفتاة من يريد إغواءهم بحجة أنه لا أحد يرانا يكون الجواب: لكنَّ الله يرانا!! ويكون الجواب«إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم» ويكون الرد: «يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بكل شيء محيطاً». من من المربين والآباء والأمهات والمدرسين من لم يقرأ وصايا لقمان العبد الصالح الحكيم لابنه التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم؟! والتي بينت للمربين والمسؤولين عن تربية الأبناء أصول التربية وطرقها الصحيحة وآدابها وأسلوبها ومنهجها الصحيح وشمولها لأصول الدين وأركانه وللعبادات والأخلاق والسلوك، والصلة بالله وبالنفس وبالآخرين. ليرجع الآباء والأمهات ومن يهمهم الأمر في المجتمع للمنهج الرباني الحكيم والهدي النبوي الشريف فخير الهدي هدي محمد عليه الصلاة والسلام، وليتزودوا بسيرة السلف الصالحين في تربية الأبناء وتوجيههم وغرس المعتقد الصحيح في قلوبهم وتزويدهم بالإيمان وشعبه وبالعلم والأدب ومحاسن الأخلاق الذي هم بحاجة إليه أشد من حاجتهم للطعام والشراب. إن تربية الأبناء وتوجيههم ومتابعتهم في أحوالهم وتصحيح أخطائهم، والعناية بهم والسؤال عنهم، يجب أن يكون هو شغلٌ شاغلٌ ومهمةٌ عظيمة أكيدة للآباء والأمهات والمربين والمربيات والجهات المسؤولة التي تحملت هذه الأمانة العظيمة ومنها وسائل الإعلام إذ بعضها يهدم القيّم وينشر الفساد ويتنافس في السبق بنشر الموبقات والمهلكات والمضلات، لتعطي هذه الجهات هذا الأمر قدره حتى يسلم هؤلاء الشباب والشابات من الفتن التي تحيط بهم خصوصاً وتحيط بالمجتمع عموماً، فإن الأمراض والأسقام «الحسية» التي تنتشر في المجتمعات إن لم تجد ما يقابلها من الدفع والعلاج والوقاية فإنها تفتك بالمجتمع كله إلا من نجّاهم الله تعالى منها، وقد تكون الأمراض «المعنوية» وفتن الشبهات والشهوات أكثر ضرراً وبلاءً وأسرع انتشاراً وأقوى فتكاً.. ولطالما نحن نعيش في زمان ظهرت فيه وسائل التقنية مما سهّل نقل المعلومات وتداولها، واستجدت من الأمور ما يوجب على كل مسؤول عن أسرة أن يدرك مع هذا التغير كيف سيكون أداؤه لمسؤوليته تجاه أبنائه وبناته في تربيتهم وتوجيههم والمحافظة عليهم موفقاً، من بذل مزيد من الجهد مع الحرص والشفقة وتحبيبهم في الخير والطاعات والتودد لهم ومصادقتهم، وحسن متابعتهم والجمع بين إظهار الثقة بهم وحسن متابعتهم والدقة في ذلك. كل من تحمل مسؤولية يجب عليه أن يتذكر أنه إن فرّط فيها وخان أمانته فإن وعيداً عظيماً ينتظره في الحال وفي المآل، قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام : «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...» رواه البخاري ومسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ». يجب على كل راعٍ أن يبحث ويجتهد ويتعلم حتى يبلغ ويدرك السبيل الذي به بعد توفيق الله تعالى يوفق لأن يؤدي أمانته، وبه يقوم بواجبه تجاه رعيته ولا يكون غاشاً لهم.. ومن علم الله في قلبه أنه يبحث عن براءة ذمته وأداء مسؤوليته وسلامة من تحت يده فإنه يوفقه ويسدده ويعينه.. أسأل الله أن يعيننا للقيام بما يجب علينا وأن يحفظ لنا فلذات أكبادنا ويسلمهم من كل مكروه وسوء، وأن يجنبهم شر الفتن والفواحش ما ظهر منها وما بطن.