بخلاف المنتديات داخل الجامعة كانت أول فرصة حقيقية مسابقة شعرية نُظمت عبر وزارة الثقافة والشباب والرياضة في العام «2005م» بين طلاب الجامعات أحرز فيها المركز الأول، وكانت لجنة التحكيم تضم د. صديق عمر الصديق والأستاذ عبد المنعم الكتيابي. ثم في ذات العام كان برنامج (مبارزة الحروف) بالتلفزيون القومي أحرز فيه المركز الثاني.. وقد شارك في مسابقات شعرية داخل وخارج البلاد وأخيراً تم اختياره ضمن أفضل مائة شاعر في (شعراء بلا حدود) في تونس. فهو يجيد قصيدة التفعيلة والعمودية والنثر. الشاعر أسامة تاج السر نوبي الأصل؛ وجد طريقه إلى اللغة العربية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من مسيرته في مجال الشعر الذي أجاده والتدريس بجامعة الخرطوم الذي عُين فيها مؤخرًا لتدريس غير المختصين في اللغة العربية. .. صدر له ديوان (ارجوحة القمر الخلاسي) في العام «2009م» ولديه خمسة دواوين معدّة للطبع، جلسنا إليه في حوار عن الشعر والأدب فوجدناه يتلاعب باللغة إجادةً ويطوعها بصور جمالية محببة.. ٭٭ بداية، وأنت تكتب الشعر منذ سنوات الجامعة أو ربما قبلها متى نضجت شاعرية أسامة تاج السر حتى رأيت أن تخرجها للملأ؟ بدأت في المرحلة الثانوية وعندما دخلت جامعة الخرطوم عام «2000م» نظَّمت عمادة الطلاب مسابقة بين الطلاب لاختيار ممثلين لجامعة الخرطوم إلاّ أنني رفضت المشاركة لأني آثرت التريُث وحكمت على نفسي من خلال الآخرين، حيث كنا في مستوى شعري واحد فإذا فازوا فقد فزت وإلا فأنا مثلهم لأن الإنسان لا يعرف مكانته وموقعه إذا كان متواصلاً مع الآخرين. ٭٭ عدم ثقة بالنفس أم ماذا؟ لا لم يكن الأمر عدم ثقة ولكن انت ترى عيوب الآخرين أفضل من رؤيتك لعيبك لذا كنت أنظر إلى نفسي من خلالهم. ٭٭ كلية الآداب مكان خصب لخلق المبدعين وتدعيم مواهبهم الكتابية، هل كان للدراسة التي تلقيتها محفّزاً لشق طريق الكتابة؟ بين الشعر والدراسة متلازمتان كانت رغبتي في اللغة العربية كبيرة جدًا منذ الصغر (بالرغم من نوبيتي)، ثم جاء الشعر فنمّا كلُّ صاحبه، الشعر فتّح عيني إلى جماليات هذه اللغة ومن خلال التفوق في الدراسة كان التفوق في الشعر، فمنذ السنة الثالثة كانت تسند لي وآخرين مهمة تمثيل الجامعة في المحافل والمنافسات بين الجامعات المختلفة من خلال الأستاذ (حسين الفضل) المشرف الثقافي بعمادة الطلاب، وكان لوجود بروفيسور عبد الملك محمد عبد الرحمن مدير الجامعة سابقاً دوراً في تطور شعراء الجامعة. ٭٭ كيف؟ عبر تبنيه وإشرافه المباشر على هذا المنشط المهم من خلال حضوره وتحفيزه. كما أنني أفخر بتخرجي في الكلية التي تخرج فيها الشاعر الكبير صلاح أحمد إبراهيم والتي حاضر فيها محمد عبد الحي. ٭٭ إجادة العربية لا تخلو من مشقة وإجادتها ربما تتطلب الكثير، ولعبد الله الطيب مقولة: (أجيد الإنجليزية والفرنسية وقليلُ من العربية). كما يقول التيجاني يوسف بشير: (ولقيت من عنت الزيود مشقة وبكيت من عمرو ومن إعرابه)، ولكن ليست الفكرة في صعوبة العربية مع وجود ذلك وإنما في كيف نتعامل مع هذه اللغة، هي بحر خضم متعدد الفروع فالعربية (النحو الصرف الأدب البلاغة العروض والقوافي وغيرها). وعندما يتحدث الناس عن العربية يتبادر إلى الذهن (النحو والصرف) وإن كانا الأساس إلا أنهما وسيلة لا غاية، أما عبد الله الطيب فإن قال هذه المقولة فإنما أراد أن يفخر بإجادة الإنجليزية كإجادته للعربية التي اشتهر بها ويكفيه فخرًا مؤلفه الضخم (المرشد إلى فهم أشعار العرب). ٭٭ شاركت في (شعراء بلا حدود) في تونس، وكنت ضمن أفضل مائة شاعر، كيف كانت هذه التجربة؟ في آخر مهرجان شعري في السودان (سحر القوافي2) أحرزت المرتبة الأولى على شعراء الفصيح في برنامج استمر قرابة الثلاث سنوات من التنافس وربما يكون هذا أسهم بشكل أو بآخر في اختيار (بلا حدود) إذ كانت من الشروط إنجازات الشاعر ووجوده في خارطة الشعر المحلية في وطنه والإقليمية من خلال نشره ومشاركاته، وكانت من المشاركات الخارجية تمثيل السودان في الأردن «2008م» وموريتانيا «2012م» وقد تم تكريمنا في تونس في (بلا حدود). ٭٭ أعتقد أن شروط (بلا حدود) قد أقصت شعراء أكفّاء، خاصة شرط النشر الإلكتروني؟ ذكرت في كل الحوارات الإعلامية أن للسودان شعراء قامات يستحقون التكريم على أرفع المستويات وناقشنا هذه الفكرة خلال (شعراء بلا حدود) فلا يمكن أن يتجاوز الاختيار شعراء أمثال محمد المكي إبراهيم وعالم عباس وعبد القادر الكتيابي ومحيي الدين الفاتح وخالد فتح الرحمن وروضة الحاج، بل ومن شعراء جيلي «أبو عاقلة إدريس عبد الرحيم حسن حمزة أبو بكر الجنيد» وغيرهم فإن كان الاختيار لأفضل شاعر عربي لاستحقه هؤلاء جميعاً، وما من شك في أن قصورًا لازم الاختيار وذلك لأن الأمر كان يتم عبر الترشيح على ألا يرشح شاعر نفسه، وتم ترشيحنا من خلال آخرين، وللأسف لم يكن هنالك ترشيح من السودان إلا لكل من (الطيب برير إبتهال محمد مصطفى وأسامة تاج السر). ٭٭ أجدت قصيدة التفعيلة؛ هل لأنك درست (العروض) ضمن دراستك للعربية، وهل يمكن أن يتميز فيها من لم يجد حظه في دراستها؟ في مقدمة الديوان المنشور أشرت إلى أن الإجادة لا تتعلق بالشكل فتستهويني قصيدة التفعيلة والعمودية والنثر فمن أجاد في أيّ منها فهو شاعر في ظنّي وقد جربتها جميعاً ولكن تبقى القصيدة العمودية هي مقياس الإجادة المطلقة في ظنّي أيضاً. ٭٭ مقاطعة له: لماذا؟ لأن الذي يتنافس في سباقات الموانع أكثر قوة من الذي يتنافس في إطار قيود أقلّ، ليس العيب في القصيدة العمودية بل في من يدعيها. ويواصل: من شعراء هذا الجيل في السودان ثلاثة متفوقون جدًا في عمود الشعر هم: الشاعر الطبيب إدريس نور الدين والشاعران المهندسان عمار المعتصم ممثل السودان في مهرجان الشارقة السابق ومعتصم الأهمش. هذا يثبت أن الشعر موهبة وليست دراسة ولا يمكن لمن أجاد العروض أن يجيد الشعر ما لم تكن موهبته عالية جدًا. ٭٭ دُقت نواقيس الخطر على خلفية الأغاني الهابطة التي ترجع إلى تدني الكلمة. كيف المخرج؟ أنا لا اتفق مع تصنيف الأدب وليس هنالك شعر هابط أو غناء هابط؛ فالفن مرآة المجتمع فالهبوط في المجتمع الذي يسيطر عليه مثل هذا الشعر وهذا الغناء، فما زال الشعر الجيد موجود بكثرة والركيك موجود أيضًا بكثرة، هو شعر ركيك وغناء ركيك ولكنه ليس بهابط فهو يصور المجتمع تصويراً حقيقياً ولكن سيطرته على الساحة تدل على اختلاف معايير الناس في أذواقهم. فأزمة الغناء في السودان أزمة لحن لا أزمة شعر. ٭٭ كتبت في الغزل، إلى أي مدى كانت المرأة مصدراً للإلهام؟ قديماً كان الشاعر الجاهلي يبدأ قصيدته بالغزل ليشد السامع ثم ينتقل إلى موضوعه الذي يريد إلى أن جاء عمر بن أبي ربيعة في العصر الأموي وجعل كل شعره غزلا ففتن الناس وسار على نهجه كثير من الشعراء، وفي عصرنا الحديث نزار قباني، هذان شاعران وُلدا للغزل ووهباه حياتهما فخلدَ شعرهما، لكن لا يمكن أن يشتهر الشاعر بسبب الموضوع بل تبقى الإجادة المقياس الأول بين الشعراء. وأنا أكتب كثيرًا في الغزل وما يهمني أن أكتب بطريقة مختلفة تميزني عن الآخرين وللمرأة مكانتها في المجتمع التي يحفظها لها الشعراء أكثر من غيرهم، ولكن في أغلب الحالات عندما يكتب الشاعر إنما يكتب للمرأة المثال ربما بدافع اجتماعي أكثر من كونه عاطفي. ٭٭ (سيف الدين الدسوقي الفيتوري محجوب شريف وغيرهم) هل يمكن أن نأمل في تكرار مثل هذه الأسماء؟ أنا لا أتفق مع نظرة النقد العامة أو عند إطلاق الأحكام العامة سيبقى الشعر متنفساً للناس، والشعراء كالنجوم لا يظهرون إلا بعد موتهم. ٭٭ ختاماً ماذا يقول أسامة تاج السر؟ السودان غني بشعرائه وأدبائه ولكنهم لن ينالوا مكانتهم خارج السودان ما لم ينالوها في وطنهم فمتى يكون ذلك؟!!