أحياناً لا يدري الإنسان أن المرض الذي يصيبه قد تكون فيه الرحمة... وأقلها ما يجعلك تشبه خلق الله فكلهم يمرضون ويشفيهم الله... ولكن الذي يقتلك أو يذهب بك إلى الدار الآخرة هو أجلك المكتوب. والعمر الذي كتبه الله لك أن تعيشه على وجه هذه البسيطة تعيشه سعيداً أو شقياً، وهذا أمر آخر، لكن لا فرار من الموت وكل ابن آدم وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول... والآلة الحدباء المقصود بها النقالة التي تنقلك إلى الدار الآخرة... «إنتو قايلنها شنو.. مرجحانية؟». لكن المرض في دائماً يعلمك الكثير الذي لم تكن تفطن له وأنت «تملؤك» العافية والصحة تتبختر بين الناس جيئةً وذهاباً.. إنه يدخلك إذا لم يكن قادك لمرحلة الغيبوبة مباشرة أي كنت بباقي عقل يفكر... ويجعلك تراجع كل دفاترك القديمة والجديدة... وكأنك مقبل على امتحان عسير.. وهذه حقيقة لا يدركها الإنسان إلا بعد أن تغيب عنه العافية أياماً فقط. يطرحه المرض كالصريع لا حول له ولا قوة يُسلّم أمره لغيره يفعلون به ما يشاءون، فقط يتمنى لحظتها أن يعودوا له بعافيته ويجهل تماماً أن الأمر كله بيد الله... يفعل ما يشاء وهو على كل شيء قدير... وهو الشافي «وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ» الآية الكريمة. هذا الإنسان الجبروت الذي طغى واستكبر وافترى يصبح في لحظة لا حول له ولا قوة... يستنجد بالناس في عطفهم بأعين تشابه أعين الفأر عندما يقع تحت وطأة القط... لكن الله سبحانه وتعالى كريم بعباده رؤوف رحيم يريد لك عمراً علك تفوق وتعود وينصلح حالك كما فيه نفعك وغيرك من أمة محمد... لكن من يتعظ وكل يوم الإنسان يصارع أخاه الإنسان و «يدفره» إلى أن يقع على وجهه ويظن أنه سيملك الدنيا بما فيها بعده... ولا يدري أن الدنيا لمن؟ و «لأن المتغطي بالأيام عريان»!! والدليل على ذلك القتل هنا وهناك، والصراع هنا وهناك، والاختلاف هنا وهناك، والسرقة هنا وهناك، والفساد هنا وهناك، ولا تجد أرضاً من أراضي الله جميعها إلا وطالتها سلوكيات تخالف شرع الله ودينه. ولا حول ولا قوة إلا بالله. لذا فإن المرض أجر وعافية وكفارة وزكاة للجسد.. وفي بالي أن العافية تكمن في المعافاة من الذنوب بمراجعة النفس والتوبة لله من إتيانها.. والالتفات إلى ما يرضي الله ورسوله.. والإعداد لملاقاته في يوم الحساب. لكن من يتعظ... بمجرد أن يصلك «درب» الحقنة الثانية تتفتح العيون التي كانت تطلب الرحمة من الله والعطف من الناس... تعود أكثر تفتحاً يلحقها اللسان بقبيح القول الدنيوي... «ناس فلان يا ولد جابوا ليك الشيك.. أوعك الناس ديل يدقسوك» ما تخليهم افتح فيهم بلاغ... أعمل حسابك. ويواصل الوخز بالإبر من الحديث المر... «أسمعي يا مره... ناس فلان ديل «جوكي» الحمد لله عشان تاني ما تفتحي خشمك تقولي ماشة المستشفى لفلان وفلتكان». يظل هكذا حتى «تلتخه» الحمى مرة تاني وأخوك يشعر بالدنيا جاطت... ويبدأ في الجرسة.. يا الله.. يا الله.. تشفي يا شافي.. وتستر يا ساتر.. «حالة تشفق».. إنه حال الإنسان سبحان الله.. لكن نقصد منه ضعيف الإيمان مهزوز الكيان والبنيان الذي قام وعاش كالنبت العشوائي لم يحسب أنه سيفارق وأن الحساب قدام... «تَظْلِمْ تُظْلَمْ» وهكذا. عدنا بعد وعكة كادت تطيح بنا.. لكن يبدو أن في العمر بقية، وأن مداد قلم «الوهج» مازال يتحسس الخطى ليكمل ما بدأه عملاً ليوم الحساب وخوفاً من الله الواحد الأحد... الذي بيده منع الأرواح من أن تدب في الجسد.. وتجفيف الأقلام وإن كانت مليئة بالمداد.. إنه القادر المقتدر... عدنا وليس هناك ما يسر في العودة فالحياة أصبحت نفاقاً وجوراً وظلماً وبهتاناً... بلا طعم ولا رائحة ولا لون.