الذي يعبر طريق «الخرطومكوستي الأبيض» هذه الأيام سوف يعرف الحقيقة التي لا يعترض سبيلها شك، ويدرك أن هذا الطريق الذي كان يسمى في الماضي بطريق «الحب والحنين» لمتعة الرحلة فيه، وهو ملهماً للشعراء، فيه تغنى الشاعر محمد ود الرضي بأشعار كثيرة، ثم كتبت فيه قصيدة «البص السريع يا زبيدة» هذا الطريق اليوم صار أعنف طريق من كثرة الحوادث، ولُقب بطريق الموت السريع، بعد ما كان يلقب بطريق الحب والريد، والذي يسافر عبره هذه الأيام يصبح كل همه أن يصل مقصده بالسلامة، ويكون قد فك لغم الحفر والموت المتخفي خلفها، ورداءة هذا الطريق الذي يعاني ضغطاً مرورياً عالياً من العابرين، وحاله عصي على التشخيص هذا الطريق على تعاسته المذهلة لا يجد من يهتم، والمسؤولون يعبرونه صباحاً ومساءً بعضهم مركزي وبعضهم ولائي، ولكن لا أحد يحرك بلاغاً ضد هذا الطريق الذي أزهق الأرواح من سوء المسار وضيقه الذي أصبح مساره مثل الخيط، وفيه تنتظر العربة حتى تعبر العربة الأخرى وفيه مضيعة للوقت، وأن المدن التي يعبرها مثل كوستي وربك تبكي من الحُفر وأن الذي يلاحظ الحال داخل تلك المدن المتسخة يكتشف ما تعانيه من دمار وغيوم من الخراب الممنهج، على مسمع ومرأى ولاة أمرها وبدون الخوض في التفاصيل اليومية لولاية النيل الأبيض التي تبكي ضعف التنمية، وسوء الإدارة، فإن حال الطريق القومي يشبه حالها مترابطاً مع تفاصيلها التي شارفت حتفها إن قليلاً من الاهتمام وخليطاً من الرعاية المركزية والولائية يمكن أن تصلح حال هذا الطريق، ولأن حالته الراهنة وحدها كفيلة بتحريض الحكومة، قبل شقف أهل كردفان لإنشاء طريق بديل يبدأ من أم درمان ويعبر جبرة ويلتقي مع الطريق القومي عند مدينة بارا ذلك الطريق حال قيامه سوف يخلع عن طريق «الخرطومكوستي الأبيض» حالة الضغط ويمهله زمناً للصيانة والترميم، ويرفع عنه ما علق به من سوء، ثم يعيد له شبابه وبعضاً من الأحلام التي تبددت عند الكثيرين مهما أرفق من كلمات لوصف الحال الذي يبغله طريق الخرطومكوستي، ومهما أطلت النظر لأعيد مشاهد الطريق بالحروف لن أوفيه ولن أبين ما به هذا الطريق بذات أنفته في الماضي هو اليوم يبحث عن منقذ، وما الحوادث التي تقع عليه من حين لآخر إلاَّ صرخات تلقائية وانفجارات تلوح بقفاز النجاة، وكل الذين جالستهم على طول هذا الطريق حَمَلوني أوراق ومظاريف كتبت عليها شكاوى مُرة من معابثات هذا الطريق بحياتهم شكاوى ومناشدات معنونة لوزارة المالية الاتحادية، ووزارة الطرق والنقل والجسور، والهيئة القومية للطرق وهي شكاوى تفيد أن هذا الطريق يحتضر الآن وبحاجة لمن يكسوه ثوباً إصلاحياً جديداً، وهو في حالته الراهنة لن تفيده المحاولات الصغيرة وصيانات الترقيع التي تتم من وقت لآخر طريق «الخرطومكوستي الأبيض» برغم رداءته وسوء حاله، لا توجد به علامات مرورية كافية توضح مسار الطريق ومنعرجاته، كما أنه لا توجد مطبات عند مداخل المدن، وهذه مع غيرها أسهمت بشكل مباشر في ارتفاع حالات الحوادث المرورية التي يشهدها الطريق، مما يتطلب انتفاضة لإصلاحه، انتفاضة تبدأ من الولايات التي يعبرها حتى المركز. أدعو مواطني وحكام ولايات النيل الأبيض وكردفان ودارفور للتعاطف مع ثورة المليون توقيع التي يقودها النائب البرلماني الأقدر تعبيراً مهدي عبد الرحمن أكرت، لصالح تشييد طريق «أم درمان بارا» ومهدي أكرت يستحق أن يكافأ على دموعه التي سكبها من قبل لأجل هذا الطريق الحيوي، في حين يوجد هناك نواب تراقص أحلامهم تفاصيل الغياب الدائم عن كل الأحداث واللحظات التاريخية، لكأنهم أصنام متحجرة العواطف والأحاسيس ولو اهتزت الجبال والصخور من حولهم. لا أجد تفسيراً مقنعاً يؤدي لتأخير تشييد طريق «أم درمان بارا»، وكذلك لا أجد تفسيراً لغباء البعض الذي يحاول إيجاد مبررات للصمت، وأن لا تأخذ قضية الطريق والمياه من النيل سلم الأولويات، حتى نطفيء مقدمات ومبررات الحرائق القادمة التي تتخذ هذه الثغرات لتمرير الأفكار والتحايل لتعبئة النفوس بالشر، كما أن هناك حقائب سميكة تجد طريقها إلى جيوب البعض، التي هي مفتوحة على الدوام كحال البؤساء المعدمين.! أخيراً نختم القول إن الذي يتلصص على نتوءات وحفر وسوء حال طريق كوستيالخرطوم سيجد ألف عذر لقيام طريق آخر موازي، ليس على شاكلة ذلك الذي يجري التدبير له ليربط أم درمان بالدويم على الضفة الغربية للنيل الأبيض، وإنما طريق آخر بديل يكون اقتصادياً وأمنياً يحيي تلك الديار التي هي الآن على حافة الهلاك، لكنها تمتلك إحساساً نبيلاً يكشف ما تشعر به من العزة حتى وإن ماتت ستكون جثتها مرصعة بالذهب والثروات الكبيرة، التي لم ترصدها أرقام المال والاقتصاد بعد في بلادنا التي فيها كثير من الصور المقلوبة وبحاجة إلى استعدال!.