قلنا بالأمس إن درجة حرمة الدخان ليست من حرمة الزنا ولا الربا ولا الخمر ولا السرقة.. بل إن نظرة الناس جميعاً إليه تقرب إلى وضعه في درجة كراهة التحريم. كما أن الدول والمجتمعات بل والجماعات الإسلامية لا تتعامل معه تعاملها مع المرابي ولا الزاني ولا السارق ولا شارب الخمر. مع الإشارة بألم شديد إلى أن المجتمعات والدول والجماعات تقصر تقصيراً كبيراً في كثير من حقوق اللَّه وما ألقي عليها من واجبات وتعاليم وأحكام! فنحن لا نحجر على امرأة ولا ينبغي لأحد أن يفعل أن تطلب الطلاق من أجل التدخين. ولكننا أيضاً لا نحرضها ولا نرضى لأحد كائناً من كان أن يحرضها، بل نطلب منها أن تضع الأمر في ميزان الورع والخوف من الوقوع فيما يبغضه اللَّه من الحلال، ولا يخفى على أحد أن الطلاق عندما يقع فإنه لا يقع على المطلق أو المطلقة وحدهما.. ولكنه يقع على الأبناء والبنات والأسرة من جانبي المرأة والرجل «الأصهار»، ويقع دون شك على المجتمع. فالمطلق عبء على المجتمع والمطلقة عبء على المجتمع مع تفاوت في نوع العبء ودرجته. إن موازنة الضرر مهمة وضرورية وإعمال قاعدة أخف الضررين لا بد منها. والمرأة إذا اكتشفت أن زوجها شارب خمر أو مرابي أو زاني لا أحسب أنها تسرع إلى طلب الطلاق دون أن تسأل أهل العلم وأهل الذكر.. كل ذلك خوفاً من الوقوع في ضرر أكبر أو الوقوع فيما يبغضه اللَّه. إن تجريد المسألة بالطريقة التي عرضها بها الفتى المثير للجدل محمد هاشم الحكيم، يؤدي إلى تحريض المرأة إلى ارتكاب المطالبة بالطلاق دون تروٍ ودون تمعن في العواقب.. ظناً منها أن طلب الطلاق بهذه الصورة هو من البر الذي لا تشوبه شائبة. إن كون الطلاق هو أبغض الحلال إلى اللَّه يكفي وحده إلى التروي والتأني وطلب النصح والنصيحة قبل الإقدام. ومن أجل المقارنة نشير إلى حديث عبد اللَّه بن عباس أربع لا يجزين في بيع ولا نكاح: «المجنونة والمجذومة والبرصاء والعقلاء». وذلك كله بتفصيل شديد فيما لو علم به الولي أو لم يعلم، وفي إجازة ذلك بعد الدخول أقوال يجب الوقوف عندها وهذا يدل على أن هذا العيب يفسخ به النكاح. أي أن للقاضي أن يحكم بالفسخ حسب الحال كما أوردنا. وقال بعضهم إن تكلم قبل الدخول فله الصداق، وإن تكلم بعد الدخول فمهرها لها بمسه إياها ويجوز له الفسخ وصداقها على وليها إن أخفى العيب. أما العقلاء فهي: التي نبتت لها بضعة لحم في قبلها، والأعقل هو: الذي نبتت له في دبره. ولا تكون المرأة عقلاء إلا بعد الولادة. والقاضي حسب ما هو معروف في الفقه ليس ملزماً بفتوى غيره لقوله صلى اللَّه عليه وسلم : «قاضي في الجنة وقاضيان في النار». وتحرير الخلاف هنا أنه في الحكم بالطلاق بسبب التدخين لا في طلب الطلاق. والسؤال موجه إلى الجالسين على منصة القضاء. هل إذا تقدمت امرأة بطلب الطلاق من زوجها بسبب التدخين، فهل القاضي ملزم بإيقاع الطلاق بسبب حرمة التدخين، وبسبب الأذى الذي يسببه لها زوجها المدخن، أم له النظر في الأسباب وتقدير الأضرار والموازنة بينهما؟ إن إيقاع الطلاق على العقلاء والبرصاء والمجذومة والمجنونة واجب على القاضي إذا تبين له أن الولي أخفى العيب، ويحكم بالعوض على الولي للزوج. والذي نشير إليه هو أن الطلاق تطلبه المرأة بدءًا من الضرر الكبير الظاهر مروراً بالضرر التقديري وانتهاءً بالطلاق الخلعي الذي يوقعه القاضي بطلب الزوجة على عوض منها للزوج. وأرى أنه عوضاً عن تحريض الزوجات على طلب الطلاق بسبب التدخين، فالأوجب حض الدولة على تحريم الدخان وتحريم بيعه واستيراده وصناعته، إن لم يكن بسبب الضرر الصحي فبسبب الضرر الاقتصادي الذي يتجاوز المليارات تحرق صباحاً ومساءً. بل الأوجب من كل ذلك أن نتوجه بالنصح والنصيحة للدولة السنية بوجوب إقامة الشريعة والحكم بما أنزل اللَّه ليس في الدخان فحسب.. بل في الربا.. والزنا.. والسرقة وفي الولايات وفي الاقتصاد وفي أمور المجتمع كلها.. وفي السياسة.. بل وفي العقائد. إن كثيراً مما نراه في المجتمع من المخالفات يمس العقائد، مثل أن تدع رجلاً أو حزباً يكفر باللَّه ورسوله والإسلام ويدعو إلى ما يخالف كل ذلك.. ثم تدعه يدعو إلى كفرهِ وإلى بدعتهِ ثم لا تثير قضية ولا تحرك إبهاماً ولا سبابة بل تنشغل بفتوى تجيز للمرأة طلب الطلاق من زوجها المدخن.