تشرّفت أسرة وادي النيل بالقاهرة كما قالت هي بعقد ندوة للسيد الصادق المهدي تحت عنوان «الأوضاع السودانية الراهنة ومسارات الإصلاح والتغيير».. تحدّث فيها السيد الصادق المهدي عن أبيي وعن مسؤولية الحكومة السودانية «الحالية» عن انفصال الجنوب، وعن استعداد المؤتمر الوطني الحزب الحاكم لمنع امتداد الربيع العربي إلى السودان، وتحدّث عن ضرورة مشروع مرشال عربي لتنمية الجنوب. تحدّث السيد الصادق حول هذه النقاط، لكنه لم يقل شيئاً على ما اعتقد، فبالنسبة لموضوع أبيي قال إن حلّها في يد أبناء منطقة أبيي وليس في يد الحركة الشعبية لتحرير السودان أو المؤتمر الوطني بدليل أن الاثنين حاولا من قبل وفشلا. والصادق المهدي حينما يرى الحركة الشعبية على خطأ في قضية من القضايا التي اشترك في محاولات حلها شريكا الحكم قبل الانفصال، فهو يحمّل المسؤولية للشريكين حتى ولو كان المؤتمر الوطني بريئاً من الخطأ.. وحينما يكون في نظره المخطئ هو المؤتمر الوطني، فهذا يبقى مما يقرّب بينه وبين الحركة الشعبية مثلما كان الحال فيما يعرف بتحالف جوبا.. وأبناء منطقة أبيي هم المسيرية ودينكا نقوك، ولا أظن أن الصادق يجهل أجندة أبناء أبيي بالحركة الشعبية أمثال دينق ألور وإدوارد لينو ولوكا بيونق، وهؤلاء لهم تأثيرهم بالطبع على دينكا نقوك في المنطقة، أي لا سبيل إلى أن يُترك أمر أبيي كما يريد السيد الصادق لأبنائها بعد التوقيع على اتفاقية نيفاشا، إذا كان قبله أبناء هذه المنطقة يتعايشون مع بعضهم سلمياً على أساس ميثاق التعايش منذ عام 1953م والذي على ضوئه جاء قبول المسيرية وهم الأغلبية بأن يكون زعيم دينكا نقوك دينق مجوك رئيساً لأول مجلس ريفي في المنطقة، وهذا ما يعلمه الصادق لكنه يبدو لا يرغب في توضيحه في تلك الندوة أو في غيرها مما سبقها، حتى لا يهدي الحكومة مرافعة مجانية.. لكن إذا وافق على مشاركة فيها بشروطه، ربما سيكون لحديثه في مثل هذه القضايا التي تربط بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية استكمالاً للتناول. أما عن مسؤولية الحكومة الحالية عن انفصال الجنوب فقال السيد الصادق المهدي «النظام الحالي سلك منهجاً متشدداً أدى لفصل الجنوب والاتفاقية أدت للانفصال والحرب ولم تؤد إلى السلام» انتهى.. أولاً السؤال هنا إذا كان يقول إن الاتفاقية «اتفاقية نيفاشا» أدت إلى الانفصال وعززت الانفصال الجاذب أكثر من الوحدة الجاذبة.. فلماذا يكون المسؤول عن الانفصال هو المؤتمر الوطني الحزب الحاكم؟! هل وقّع هو وحده على هذه الاتفاقية؟ هل قام بحملات في الشمال والجنوب من خلال أجهزة الإعلام وغيرها لصالح الانفصال قبل الاستفتاء كما فعلت هناك الحركة الشعبية؟!.. لا أظن أن المصريين الذين تشرفوا بعقد ندوة للسيد الصادق على درجة من الغباء تجعلهم يؤمّنون على قول ضيفها، لكن يبدو أن ضيفها يصر إصراراً على ألا يصرح بما فيه قيمة مرافعة للمؤتمر الوطني حتى يفيء إلى أمره ويقبل أي شروط منه للمشاركة.. أي أن الصادق ليس رئيساً للوزراء فهو إذن ليس مرافعاً للحكومة.. فكأنما هذا شعاره.. لكن المشكلة في أنه يعارض بتصريحات تخلو من المنطق. ثم يقول إن الحكومة على استعداد لمنع امتداد الربيع العربي إلى السودان.. والسؤال هل كانت الأنظمة التي اكتسحها هذا الربيع أضعف من السودان من حيث قبضتها الحديدية وإجراءاتها المتشددة لحماية بقائها في السلطة؟! إن الشعوب في بلدان الربيع العربي ترى البدائل للأنظمة التي أسقطتها لكن هنا في السودان ما هو البديل غير المجرّب لهذا الشعب؟! إن المؤتمر الوطني ليس معصوماً من الخطأ وبه من الأخطاء ما به، ومن أكبر أخطائه إهدار الأموال في مشروع الوحدة الجاذبة وفي تجهيزات الدورة المدرسية بالجنوب.. لكنها مقارنة بأخطاء الحكومات السابقة المعروفة لا تُقارن.. ويمكن أن نعتبر الفترة من عام 1989م إلى 1999م التي كان فيها الترابي رئيساً لبرلمان الحركة الإسلامية مع الحكومات السابقة بمعنى أن البشير قد حكم فترتين «ترابية» و«غير ترابية».. وكان الرئيس نميري قد حكم من 25 مايو 1969م إلى 16 نوفمبر 1970م بمعاونة الشيوعيين حينما كان زعيمهم عبد الخالق محجوب، ثم حكم بعد هذه الفترة بدونهم ولو استمروا معه لما حكم حتى أبريل 1985م. والغريب في الأمر أن السيد الصادق قد تحدث عن ضرورة شد دولة جنوب السودان شمالاً حتى لا تذهب إلى الأعداء وقال إن شدها يكون بالاستثمارات العربية والإسلامية وقال أن يكون هناك مشروع مارشال عربي لتنمية الجنوب. وهذا أراه غريباً؛ لأنه لم يتحدّث عن التطوّرات الأمنية والسياسية في الجنوب بعد الانفصال.. لم يتحدّث عن النشاط الثوري الشعبي هناك الذي يقوده الفريق جورج أطور وبعض قادة الجيش الشعبي المنشقين.. فهل هو صديق للحركة الشعبية؟! وهل من سبيل إلى مشروع المارشال العربي في الجنوب مع أكبر حركة احتجاج إفريقية هناك؟! إن الجنوب يحتاج إلى الديمقراطية والحرية وقبل هذا الأمن والاستقرار وليس «مارشال عربي».. والجنوب سيظل عدواً للسودان ما بقيت الحركة الشعبية في الحكم هناك.. وعلى الصادق أن يؤخر مطالبته بالمارشال العربي وليطالب به لصالح العلاقات التشادية العربية مثلاً. ندوة أكاديمية الأمن نظمت أكاديمية الأمن العليا ندوة حول الوضع الاقتصادي الراهن بالسودان قُدمت فيها ورقتان لمعالجات راهنة ومستقبلية.. وأروع ما في الندوة أنها تحوّلت إلى ما يشبه جلسة برلمانية لنواب اللجنة الاقتصادية فقد كانت فيها قيمة «الرأي والرأي الآخر» عنصراً لتوسيع آفاق المهتمين بالشأن الاقتصادي.. وقيمة أخرى هي أن النقاش كان حول أمر يتصل بقضايا معيشة الناس، أي هي قضايا ضرورية ملحة جداً بخلاف القضايا السياسية المعنوية الأخرى التي لا تُسمن ولا تغني من جوع شعوب العالم الثالث.. فليت أكاديمية الأمن العليا استمرت في هذا النشاط لنستمع ونقرأ للاقتصاديين أكثر من غيرهم.. فقد ذبحنا السياسيون والرياضيون بكثير كلامهم.. ولنطرب للاقتصاديين.