للمحامي السياسي والمناضل الوطني الراحل المرحوم غازي سليمان مقولة ستبقى خالدة، ذكر فيها أنه يرى أن الاستقلال الوطني للسودان بالطريقة التي حدث بها في منتصف خمسينيات القرن الميلادي العشرين الماضي ما كان له أن يتم لولا أن الرئيس المصري في تلك الفترة المرحوم محمد نجيب كان قد تبنى تقديم الدعم والمساندة لحق الشعب السوداني في تقريرمصيره. وقد جرى ذلك في سياق المواجهة مع الاحتلال والاستعمار البريطاني لدولتي وادي النيل في ذلك الحين، ومن المعلوم أن الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر الذي تولى الرئاسة بمصر الشقيقة في تلك المرحلة بعد أن نجح في إقصاء الراحل نجيب، كان قد تبنى الموقف ذاته أيضاً فيما يتعلق بحق الشعب السوداني في تقريرمصيره.. بيد أن اللواء نجيب كان يسعى ويأمل في أن تحقق الوحدة وتستمر راسخة بإرادة حرة بين شعبي وادي النيل نتيجة لذلك الموقف المصري من حق الشعب السوداني في تقريرمصيره الوطني آنذاك، بينما وعلى النقيض من تلك الرؤية فإن الراحل جمال عبدالناصر كان يرى على ما يبدو، وكما يعتقد البعض أنها إذا لم يرضخ الشعب السوداني للإرادة المصرية المستعلية والساعية للهيمنة المنفردة عليه، فإن الأفضل لمصر هو أن تتخلى عن السودان حتى لا يغدو عبئاً عليها!! وكما هو معلوم كذلك فقد كان للدور الإثيوبي الذي تمكن رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل مليس زيناوي من الاضطلاع به بموافقة ومساندة من قيادة السلطة الراهنة الحاكمة في السودان ضلع كبير في تحقيق الاستقلال الوطني للجنوب السوداني عن الشمال تحت ستار حق تقرير المصير. وبناء على هذا فإن السؤال الذي يطرح ويفرض نفسه الآن فيما يتعلق بالمستقبل المحتمل لما تبقى من السودان هو يا ترى إلى أين سيمضي بنا الدور الحالي الذي يضطلع به الرئيس التشادي إدريس ديبي، وهو الدور الذي يحظى بموافقة ومؤازرة سودانية مماثلة من الناحية الرسمية مثلما تم في السابق مع الجارة إثيوبيا على النحو المشار إليه أعلاه. وفي سياق هذا الإطار فقد تم القيام بما يسمى ملتقى أم جرس الذي عقد جولته ودورته الأولى برعاية الرئيس ديبي في أكتوبر 2013م الماضي، وكانت دورة وجولة خاصة بالزغاوة، ويجرى الإعداد في الوقت الحالي لانعقاد الدورة والجولة الثانية من هذا الملتقى بمشاركة يُرجى أن تكون واسعة وتشارك فيها هذه المرة قبائل أخرى من دارفور!! وعلى العموم فقد يكون من المفيد أن نعيد التذكير بما أشرنا له في وقت سابق بهذا الصدد وفي هذا الخصوص تحت عنوان: «قراءة أخرى للرهان على حصان موسى هلال في رعاية ديبي لملتقى أم جرس.. من يزرع الرياح يُمهِّد للاجتياح.. ومن يعتمد على السلاح يحصد الجراح». وكنا قد نشرنا ما أشرنا إليه في نوفمبر 2013 الماضي بصحيفة «إيلاف» الأسبوعية من موقع نائب رئيس تحريرها في تلك الفترة، حيث استعرضنا ما ورد في دراسة للباحث الأكاديمي العميق والناشط السياسي السوداني الضليع د. شريف حريز وهو زغاوي من دارفور.. وكما ورد في تلك الدراسة التي كانت بعنوان: «الحزام الإثني السياسي في دارفور والعوامل الثقافية الإقليمية.. أو الحزام العربي في مقابل الحزام الإفريقي»، إنها ورقة تهدف باستخدام مادة حية من الحرب المديدة بين العرب والفور في دارفور لتوضيح كيف يمكن أن تتطور الصراعات المحدودة على الموارد الطبيعية إلى حرب إقليمية إثنية ذات طبيعة شبه دولية، وذلك عندما تتخلى الحكومات المعنية عن دورها كحافظة للسلام سواء بسبب ضعفها أو تحيزها. وتضيف الدراسة التي نشرتها دورية «كتابات سودانية» الصادرة عن مركز الدراسات السودانية بالخرطوم في عددها الثاني والأربعين بتاريخ ديسمبر 2007.. أنه على الرغم من استنادها إلى صراعات أخرى من أجل المقارنة والمقابلة فإن الجسم الأساسي في مادة الورقة يأتي من صراع العرب والفور الذي ساد دارفور بين عامي 1987 و1989م. ويشير د. شريف حريز إلى أن الرئيس السوداني الأسبق المرحوم جعفر نميري كان قد قرر في مايو 1980م مد قانون الحكم الذاتي الإقليمي لسنة 1972م للجنوب السوداني إلى كل أقاليم السودان الأخرى. وقد كان هذا سيرضي المشاعر الإقليمية لأهل دارفور لولا حقيقة أن حاكم إقليم دارفور الذي تم تعيينه من المركز في ذلك الحين وهو الطيب المرضي لم يكن من أهل دارفور.. ولذلك لم يكن مدهشاً أن تثور دارفور عام 1981م مطالبة بتعيين حاكم للإقليم من دارفور مثلما جرى في الأقاليم السودانية الأخرى في تلك الفترة.. وقد حاولت الحكومة المركزية في الخرطوم سحق تلك الانتفاضة في دارفور آنذاك لكن اتساع نطاق المظاهرات جعلها تستسلم وتقوم بتعيين أحمد إبراهيم دريج كأول حاكم دارفوري يحكم الإقليم منذ مقتل السلطان علي دينار عام 1916م.