لأن الذوق هو أيضاً عنصر من عناصر الجمال نحن نقول: «فلان ده عندو ذوق في اللبس وذلك يعني «الأناقة» .. يتغنى الفنان بذلك صادحاً: الذوق والجمال والخدود السادة، أدو قلبي النار حرقوهو زيادة».. الأغنية قديمة وكانت عندما تخلت السودانيات عن عادة «الشلوخ» لذا قال «الخدود السادة»، ومن قبلها كان يتغنى أبو داؤد بالشلوخ: «قوم بينا حلو درب الطير في سكينة».. و«درب الطير» كان نوعاً من الشلوخ. والشاعر هنا قدم الذوق على الجمال. لكن من المألوف للنفس أن جمال الشكل بدون ذوق يكون ناقصاً.. والإنسان العندو ذوق يكون محبوباً لدى الناس حتى ولو كان شكله عادياً. والذوق يتمثل في المعاملات اضافة للاناقة، فهو صفة حضارية، ويعني كذلك حسن الخلق هذا الذي يجلب المحبة الدائمة، حتى ان عثمان حسين تغنى لذلك في أغنيته: «قادر ربنا الخلاق.. اداكي الخلقة والأخلاق». ولكن ما الذي يجعل «الذوق» يبدو على الإنسان منذ الوهلة الأولى فيسبق الشكل والمحيا؟! معروف ان الشكل الذي تراه بعينك لافتاً منذ الوهلة الأولى قد يأخذ بالألباب ويلفت الانظار وتهفو إليه النفس.. لكن المثل يقول: «المظاهر خداعة»، وسرعان ما ينحسر هذا الجمال اذا لم يخالطه الذوق السليم. أما الذوق السليم فإن قيمته أعلى لأنه لا يأتيك مسرعاً.. فهو واثق من نفسه.. تجد الذوق من خلال ابتسامة الشخص وأسارير وجهه الصبوح والرضاء. وتجده ايضاً في اختياره للملبس والزي.. وتجده في اللباقة وفي الكلام المهذب المتزن.. وتجد الذوق حتى في اختيار اسلوب السكن، فتجد صاحب أو صاحبة الذوق الرفيع يختار ابسط الاثاثات التي تجعلك للوهلة الأولى تشعر بالارتياح والطمأنينة، ولكن ليست تلك التي تتسم بالبذخ و«الشوفونيات» وحتى في اختياره للمركبة أو السيارة إن بسط الله الرزق لصاحبها. والذوق تجده في اختيار الشخص صاحب الذوق الرفيع للألوان، فهو يميل لاختيار الالوان الهادئة الراقية الجميلة، ولا يميل للصخب وإحداث الضجة. إذن فالذوق هو مؤشر للنفس المطمئنة.. النفس الهادئة.. صاحبها شخصية مرتبة منظمة لا يمكن أن يصل لذلك المستوى الرفيع وهو مهموم وقلق وفوضوي.. ذلك أن أصول الجمال فيه عميقة وراسخة.. أما في مجال العلاقات الانسانية، فإن الذوق عملة نادرة.. مقياسها أن اي شخص لا يتمتع بالقدر الذي يجلب له محبة ورضاء الآخرين فهو إنسان «ما عندو ذوق».. فالذوق السليم هبة إلهية عظيمة جديرة بالشكر لله.