معلوم أن النظام الفيدرالي أو اللا مركزي هو نظام حكم مركب ما بين المركزية والإقليمية أو الولائية، حيث توجد مؤسسات قومية بما يعني وجود حكومة اتحادية وجيش قومي وبرلمان قومي ومحكمة تجارية كذلك، ولكن من حيث التفعيل في الإجراءات فإن النظام اللامركزي يعطي الولايات بعض التشريعات التي تمنحها كثيراً من الصلاحيات، وهو بالطبع أنسب نظام للحكم إذا طبق بصورة سليمة لأن محاسنه أوسع من مساويه فلا شك أن اللامركزية تقرب الظل الإداري وتسهم في سرعة اتخاذ القرار لقرب المسافات في مستويات الحكم، ولكن سوء التطبيق واستغلال الصلاحيات الواسعة التي أعطيت للولايات حولت هذا الأمر من حسنة وإيجابية إلى سيئة نعم من إيجابيات اللامركزية أنها قللت هيمنة المركز على الولايات ولكن أيضاً هذه أصبحت عاملاً معيقاً لتطور الولايات لأن كثيراً من الولايات ليست بها بنية حكم وكوادر مقتدرة، وكان لأوفق قبل وأثناء تطبيق هذا النظام الذي هو من حيث النظرية يتوافق تماماً مع تشكيلة وجغرافية السودان الاجتماعية والسياسية غير أن تطبيقه دون مراعاة عملية التأهيل للكادر حول بعض الولايات إلى كيانات عرقية أو شبه ذلك، وولايات أخرى ذهبت في اتجاه جهوي صارخ وهذا ربما يعزز دعوات التمردات الانفصالية أو الاستقلالية هذا الوضع أثر كثيراً في عمليات بسط التنمية والخدمات للمواطنين سيما أن كثيراً من المدن الحضرية بالولايات قد شهدت حركة نزوح كبيرة من الريف إلى المدن مما وسع دائرة طلب المواطنين للإعمار وبسط أفضل الخدمات لأن واحد من أسباب هذا الانحراف نحو المدن هو البحث عن خدمات أفضل وفرص عمل تستوعب طاقات شباب الأقاليم التي أخذت في التوسع!. قضية أخرى وهي من الأهمية بمكان وهي أن العلاقات ما بين المركز والولايات غير واضحة فيما يلي عملية توزيع الثروات لأن النظام اللامركزي نظرياً من حسناته أنه النظام الأكثر عدالة في توزيع الثروات والموارد، والمعلوم بالضرورة أن الفيدرالية تحتاج إلى أموال ضخمة وإمكانات للتطبيق وهي ما تحتاج إلى مراجعة وضبط كما أن النظام الفيدرالي في مجمله.. يحتاج إلى مراجعة وإظهار الفواصل بين المركز والولايات حتى تكون أكثر وضوحاً يزيل المفهوم الخاطيء الذي يفيد بأن الفيدرالية تعني الاستقلالية الكاملة أو الانفصال عن المركز لأي سبب من الأسباب.. قضية أخرى دائماً لا يوضع لها بال وهي أن المحك الأساسي في تطبيق النظام الفيدرالي أو اللامركزي في الحكم هو المحليات وليس الوزارات الاتحادية أو الولائية الآن الوزارة هي مجموعة من الموظفين يسهل إدارتهم لأنهم ربما يلتقون في مؤسسة دورها فني أو تخصصها واضح بينما المحليات فإن المعتمدين هم الذين يعانون إذ أنهم يواجهون مجتمع فيه شرائح مختلفة فيه متعلمون بمستويات مختلفة وأميون وشرائح ريفية وبعضها نصف متحضر وهذه الشرائح لديها اهتمامات ورغبات متعددة ومطلوب من إدارة المحلية أن تقدم لكل طلبه وهو وضع يتطلب أن تكون القيادة التي يسند إليها مهمة القيادة في المحليات أن تكون أكثر وعياً بهذا الوضع وتشكيلات هذا المجتمع وتنوعه حتى تحسن التعامل معه وتتفاعل مع قضاياه وفي زيارتي إلى جامعة غرب كردفان وعلى هامش مشاركتي في أسبوع الجامعة الثقافي شاركت في فعاليتين بمحليتي ود بندة والخوي بدعوة من الأخوين الكريمين خالد كرشوم معتمد ود بندة والأخ العميد بكري عمر الشريف معتمد الخوي الذي جمعا كل كوادرهما التنفيذية والتشريعية والسياسية وتحدثت وزميلي عادل البلالي حول أهمية إسناد المحليات باعتبارها أهم مستوى للحكم اللامركزي وقد وجدنا وعياً من الأخوين (كرشوم) و(بكري) من خلال طرائق وأساليب إدارتهما وإشراكهما للمجتمع والمؤسسات الأخرى في عملية التنمية الريفية وهو نموذج مشرف يتطلبه النظام الفيدرالي هذا لا يعني عدم قصور ولكن لا ينبغي النظر لتلك المنقصات إلا في إطار ما ذكرته سالفاً في عملية محاسن ومساوئ النظام في مجمله أخيراً نرى هناك ضرورة أن يعلى من شأن المحليات كأهم مستوى في نظام الحكم اللامركزي كما هناك قصور كبير من ديوان الحكم اللا مركزي في القيام بدوره في مراجعة النظام وعمليات تطبيقه ومعالجة التقاطعات ما بين المركز والولايات بما يضمن تطبيق الفيدرالية بشكلها السليم.