استبشرت الأوساط العامة بقدوم الدكتور فرح مصطفى وزيراً للمجلس الأعلى للحكم اللا مركزي، حيث تسلم مهامه خلفاً للسيد حسبو محمد عبدالرحمن الذي تم تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية. «المقال» التالي كلماته مهداة للسيد الوزير فرح مصطفى لبذل جهده لتنقية الحكم اللا مركزي من شوائب القبلية والجهوية التي أمسكت بتلابيبها، وذلك حرصاً منّا لتبرئة هذا النمط من أنماط الحكم من هذه المنقصات بإعتباره النمط الذي يناسب السودان بكل ظروفه السياسية والإجتماعية والثقافية. فإلى المقال: حين أسدل مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام الذي انعقد فى الفترة من 9 سبتمبر الى 21 اكتوبر 1989م الستار واخرج توصياته للهواء الطلق تنفس السودانيون الحادبون على مصلحة الوطن الصعداء لان اهم توصية من توصيات المؤتمر هي « اقرار الحكم الفيدرالي القائم على اللامركزية كشكل لحكم وادارة السودان» ، وبهذه التوصية يكون السودان قد اسدل الستار على سؤال مهم ظل محل خاطر الجميع وهو كيف يحكم السودان؟ بعد ان ظل السودان يحكم من الخرطوم بشكل مركزي قابض او بشكل لامركزي هيمنة المركز عليه واضحة حتى جعلت منه حكماً لامركزياً صورياً وقد أضرت هذه الصيغة بالمركز « العاصمة» والهامش « الولايات والاقاليم « معاً ايماء اضرار حيث تكدس المركز بالمواطنين الباحثين عن أفضل الخدمات وتحسين سبل العيش فتحولوا من منتجين الى مستهلكين وفرغ الهامش من المواطنين مما احدث فراغاً كبيراً في مناطق الانتاج حيث قلت الإنتاجية ومن بعدها اضطراب ميزان المدفوعات القومي واتجهت بعد ذلك الحكومات الى الاستدانة من النظام المصرفي مما ادى لضعف الجنية السوداني امام العملات الاخرى فكانت النتيجة التدهور المتوالي للاقتصاد السوداني. وبالفعل قد استجابت الحكومة السودانية لهذه التوصية حيث تم تأطيرها دستورياً وقانونياً فصدر المرسوم الدستوري الرابع عشر لسنة 1994م الذي حدد شكل الدولة على اساس تلك التوصية وصدر قانون جديد للولايات حوى مسميات الولايات وعواصمها ثم انخرطت عدد من اللجان لتسوية اي اشكاليات تحدث نتيجة انفاذ هذه التوصية فتشكلت لجنة لمراجعة حدود الولايات المختلفة فيما بينها وفي داخلها لترسيم حدود المحافظات والتي تحولت لاحقاً لمحليات. وبالفعل تنزلت هذه التوصية الى ارض الواقع بل واصبحت قاسماً مشتركاً لأي اتفاقية سلام وقعت بين الحكومة السودانية وحركات الاحتجاج المسلح التى شهدتها مناطق جنوب السودان سابقاً ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق بل تم تضمينها دستور السودان لسنة 1998م الملغي ودستور السودان الانتقالي لسنة 2005م الساري الآن. وبرغم ان صيغة الحكم الاتحادي القائم على اللامركزية قد حققت نجاحات لافتة على كل الأصعدة الا ان لها سلبيات أدت لتكريس القبلية والجهوية بشكل لافت مما ادي للاضرار بالمصالح العليا وأصبحت القبلية هي المحور الذي تدور في فلكه كل المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية مما أدي هذا الوضع لتبرم الجميع من ذلك... ولعلّ الاشارات التى ارسلها السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير في فعاليات مؤتمر الشورى القومي الأخير لحزب المؤتمر الوطني الحاكم والخاصة بمخاطر وتأثيرات القبلية والجهوية على الحياة السودانية فيها الكثير من العزم والحزم لايقاف تمددها، ونرجو ان تعمل اللجنة التى تم تشكيلها حسب علمي لتصحيح المسار في هذا الجانب بكل صدق وشفافية وتجرد حتى يتم إنقاذ مايمكن انقاذه. ومن ابرز التاثيرات القبلية السالبة التي يرددها الناس وربما يكون فيها بعض التزيد إلا إنها كما يلي:- تنامي شبهة إحتكار الوظائف العامة لمصلحة قبائل بعينها استمالة بعض القبائل لصفوف اطراف النزاعات المسلحة في السودان ادي لظهور مصطلحات جديدة « الجنجويد – الباشمرقة» معارضة بعض القبائل للتشكيلات الوزارية الولائية بدعوى انها لم تمثل. اعتماد مستويات الحكم الولائي والمحلي في شغل المناصب الدستورية على المستويين التنفيذي والتشريعي على المحاصصة القبلية. استظهار مظاهر التأييد القبلي « مجلس شورى قبيلة ... يؤيد – يرفض – يناشد» كشكل اقرب للممارسة الابتزازية لتحقيق مصالح ضيقة. تغييب الأدوار المهمة التي لعبتها الادارات الاهلية السابقة في فض النزاعات وابراز هيبة الدولة استقواء بعض القبائل ببعض المسؤولين المنتمين إليها لتقوم بتمرير بعض أجندتها الضيقة على حساب المصالح الوطنية الأهم... أملنا كبير في ان تعمل اللجنة على ازالة هذه التأثيرات وغيرها لأن ما احدثته بعض هذه الممارسات اثر في نسيج الوطن الكبير...