الخطأ السياسي الكبير الذي يقع فيه حزب البعث العربي الاشتراكي، هو أنه يقفل باب المجادلة السياسية، سواء أكان يحكم مثل ما كان صدام حسين، أو الآن الأسد أو أكان في المعارضة «الدائمة» في السودان.. ويلجأ إلى الكتابة في الحوائط.. يكتب عبارات لا تخدم العمل المنهجي للاستقطاب بالنسبة للحزب، ولا تحرك ساكن الشارع.. فقط يقرأ الناس اسم الحزب مكتوباً على الجدران، ولا يرون وجهاً سياسياً له يعرفونه به، فهو مثل خرافة «البعاتي» أو «ودأم بعلو».. فقط يزعج «خصومه» «بالاجتماعات» لكن ماذا بعد الاجتماعات غير اختيار عبارات يكتبونها في عرض الجدران في بعض المدن؟!. قد يكون الحزب يريد بالكتابة في الجدران كسباً إعلامياً لاسمه. فتعرف الأجيال الجديدة أن البلاد فيها فرع لحزب البعث العربي الاشتراكي. حزب عنصري يتصف بأنه عربي في بلد قبائلها العربية لا تصل إلى 80% من السكان، وهي نفسها ممزوجة بدم الزنوج الحار.. فلم يدخل العرب إلى السودان بزوجاتهم وأخواتهم وبناتهم وبنات الأخ وبنات الأخت. لم تكن الهجرات العريبة إلى السودان بالجندر.. لقد كانت ذكورية. وكانت بعد الإسلام، لكن لأن مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي هو الصليبي ميشيل عفلق، كان لابد من شق المسلمين من خلال خلط العمل السياسي بالعنصري. فما ضر ميشيل إذا اختار له اسم «حزب البعث الاشتراكي» وكفى؟! لماذا لم يطمع في ان يكون له أفرع في دول إسلامية ليست عربية مثل باكستان وتركيا؟! وحتى داخل الوطن العربي لماذا يضع حاجزاً عنصرياً بينه وبين الأكراد والتركمان والامازيغ والنوبة؟! أليس هؤلاء داخل جغرافية الوطن العربي؟! إن الإجابة على هذا التساؤل هي باختصار أن الصليبي ميشيل عفلق قال لبابا الفاتيكان البابا يوحنا بولس:«سأفعل لك بالمسلمين ما عجزت عنه الكنيسة في ألف عام».. انتهى. لكنه فعل بأمن و اقتصاد المسلمين حينما اعتلى حزب البعث في العراق وفي سوريا السلطة وفتح المجال للاحتلال الأمريكي والحروب الطائفية، أما عقيدة المسلمين فهي تكسب في كل عام جيلاً جديداً من الصبيان والصبايا يرون القتل مجداً ودفاعاً عن الحضارة الإسلامية التي تشكل نهاية التاريخ . لا تاريخ بعد الإسلام. إن الحضارة الإسلامية ليست هي حضارة الجنائز والتماثيل والنحت على الصخور «بلا شغلة». كل العلوم والتكنولوجيا أيها البعثيون الموتورون ، شكل نواة كل منها علماء مسلمون وهذا معلوم. وإذا حكم حزب البعث السودان وقد كاد أن يحكم، لكن فشل انقلابه بقيادة اللواء عثمان بلول «رحمه الله»، لو حكم السودان لأصبحت البلاد الضلع الثالث في المثلث البعثي الذي يمثل انهيار الأمن والاقتصادي من العراق إلى سوريا. عفا الله السودان من مصير العراق إلى سوريا. حزب البعث كيان سياسي مرتبك وهو في المعارضة، ومتوجس وهو في الحكم، ولا يصلح أن يحكم دولة لأنه بعد أن يحولها إلى جنة مثلما فعل في العراقوسوريا يحيلها بعد ذلك إلى جحيم لا يطاق سبب ارتكاب الحماقات الناشئة من التوجس. وهو في المعارضة يشق صفها أو يحاول، وهو الآن مختلف مع الحزب الشيوعي في وسائل المعارضة مع أن العمل المعارض الأهم فيه العناية وليس الوسيلة. وحزب البعث العربي الاشتراكي سواء كان فرع السنهوري، أو فرع ضياء الدين، أو فرع التجاني الموالي للقاتل بشار الأسد، فهو هنا في السودان يحتاج إلى حياة ديمقراطية مريحة جداً مثل الديمقراطية الثالثة، لكن بشرط أن يتطور، وبعد نصف قرن من الزمان يمكن أن يشكل أغلبية في البرلمان مع كيان آخر ويمرر أجندته. لكن على المدى القريب فلا يستطيع ان يفعل شيئاً. حزب البعث الآن لا إلى الحكومة في حوارها ولا إلى المعارضة حتى الرافضة للحوار. فهو بعد سقوط الأب السياسي له في بغداد أصبح من الأحزاب المشردة لو جاز التعبير.