عندما نالت الجزائر استقلالها في عام 1962م أضحى أحمد بن بيلا رئيساً للجمهورية خلفاً للرئيس الانتقالي بن يوسف بن خده. وسطع نجم بن بيلا وأصبح معروفاً على المستوى الإقليمي والدولي. وعند مجيء خرتشوف وحضوره حفل اكتمال وافتتاح السد العالي في السودان في شهر أكتوبر عام 1964م قبل عودته لموسكو وتجريده من مواقعه وسلطاته بالتدريج حتى أضحى حبيس داره معزولاً مكتئباً. وكان المضيف هو الرئيس جمال عبد الناصر وشهد الاحتفال الرئيس العراقي عبد السلام عارف والرئيس الجزائري أحمد بن بيلا الذي كان محط اهتمام الجميع ومحل احترامهم وعندما كان الرئيس عارف يخطب كانت الحدود الجماهيرية تصفق وتهلل وتكبر وعندما سأل خرتشوف عن سر حماس الجماهير وتجاوبها مع الرئيس عارف عرف أنه كان يستشهد بآيات من القرآن الكريم وأحاديث من السنة المطهرة. وبعد أيام من مغادرته القاهرة جرت محاولة انقلابية فاشلة في بغداد ضد الرئيس عبد السلام عارف الذي استشهد بعد ذلك في حادث سقوط وتحطم طائرة في عام 1966م وخلفه لفترة قصيرة في الرئاسة شقيقه عبد الرحمن عارف قبل أن يستولى حزب البعث بعد ذلك على مقاليد الحكم في العراق في عام 1986م. وفي الجزائر تحالف نائب الرئيس هواري بومدين ووزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة بإيعاز وتنسيق مع جهة خارجية (كانت تحس بالغيرة لتوهج وصعود نجد بن بيلا)، وتمت الإطاحة بالرئيس بن بيلا في عام 1965م وظل حديث المعتقل منذ ذلك الوقت ولم يتم الإفراج عنه الإ بعد وفاة الرئيس بومدين في عام 1979م وقد استفاد بن بيلا من فترة اعتقاله الطويلة وتزوج وانصب تركيزه على تلاوة القرآن الكريم وحفظه وتجويده وانكب على القراءة الجادة في الدراسات الإسلامية ومختلف العلوم والمعارف وعند خروجه من المعتقل كان عالماً متبحراً وتفرغ للعمل الإسلامي وترأس جمعيات ومنظمات إسلامية دولية حتى وفاته. وقد ظل بوتفليقة وزيراً للخارجية طوال فترة حكم بومدين وعندما وقع الانقلاب في عام 1965م كان في الثامنة والعشرين من عمره وهذا يعني أنه عندما تولى هذا الموقع الهام في عهد بن بيلا كان في الخامس والعشرين من عمره وهو عمر كان فيه بعض العاملين في وزارة الخارجية في السودان في بداية تدرجهم في السلك الدبلوماسي ولاتزيد وظائفهم على درجة سكرتير ثالث لوزارة الخارجية. وقد تحالف بومدين وبتوفليقة وتآمرا على بن بيلا وقد أثبتت التجارب العملية والوقائع الموثقة أن أي متآمرين يشتركان في تدبير وتنفيذ مؤامرة يظل كل منهما حذراً من الآخر لئلا يتأمر عليه (لأن من يتآمر معك يمكن إذا وجد أي فرصة سانحة أن يتآمر عليك) وتكون العلاقة مهما بدت ظاهرياً حسنة إلا أن الأعماق ربما تختزن قدراً من الشك وعدم الثقة (إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسمُ) ولسان حال كل منهما يردد (ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً ما من صداقته بد) وكان المتوقع أن يحل بوتفليقة محل بومدين بعد وفاته وهيأ نفسه لذلك ولكن المجموعة العسكرية داخل جبهة التحرير الجزائرية أصرت وفضلت أن تعهد الرئاسة الشخصية تنتمي للمؤسسة العسكرية واُختير من جديد رئيساً للجزائر خلفاً لبومدين. وانحسرت الأضواء عن بوتفليقة وأمضى سنوات في الظل ثم مالبث أن عاد قبل خمسة عشر عاماً رئيساً منتخباً للجزائر وأمضى دورتين رئاسيتين كما ينص على ذلك الدستور وتم التمديد له لدورة ثالثة مرض أثناها وأضحى مقعداً يتحرك على كرسي متحرك وقد وهن منه العظم واشتعل الرأس شيبا ورغم ظروفه الصحية وانتهاء دورته الرئاسية الثالثة ألا أنه رُشح لدورة رئاسية رابعة وأتى لمكان الاقتراع ليدلي بصوته وهو يتحرك على كرسيه وفاز بأغلبية كبيرة وقطعاً أن هناك من أصروا على ترشيحه وله مصلحة في ذلك إذ أنه سيصبح واجهة مقبولة ويحكموا هم من وراء ستار ويركب عدد منهم ماكينات رئاسية كبيرة وربما تحدث بينهم منافسات وكل منهم يريد تكبير كومه ويؤدي هذا لفساد عندما يتم الالتفاف إليه يكون الرماد كال حماد. ولكن إذا كانت تقوم هناك دولة مؤسسات فإن الأمور ستمضي ويكون الفرد مهما علا موقعه وارتفع هو مجرد ترس في آلة كبيرة. وعودة الوعي في كل مكان يتبعها تصحيح للأخطاء والإصلاح والتجديد يحتاج لإرادة قوية.