في حوالي الثالثة والنصف من مساء الأربعاء الموافق 7 مايو الجاري، تلقيت دعوة من إدارة الإعلام بجهاز الأمن والمخابرات الوطني لحضور اللقاء التنويري الذي دعا له جهاز الأمن والدكتور عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم لتنوير الصحافيين ورؤساء التحرير وإطلاعهم على تفاصيل القضية المعروفة بالمتهمين في بيع أراضي استثمارية في مكتب والي الخرطوم، وكان ذلك بالنادي الوطني بالخرطوم. وقد تحدث الدكتور عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم وكان مجمل حديثه أن المعلومات الأولية خرجت مما سماه بأجهزتنا في الولاية وتم التعامل مع هذه المعلومات الأولية بتكوين لجنة داخلية، ولكن اللجنة لم تتوصل إلى شيء وتابع جهاز الأمن الأمر وألم ببعض الخيوط وبعد تحقيق طويل استمر لثلاثة أسابيع تكشفت خيوط الموضوع. وتلخصت المخالفات والتهم الأولية في استغلال العلاقة مع أجهزة الأراضي في الولاية والاستفادة من ذلك في الحصول على عدد من قطع الأراضي إضافة إلى الشك في الطريقة التي كانوا يحصلون بها على ذلك. وبعد المداولة مع جهاز الأمن ورئيس الإدارة القانونية بولاية الخرطوم قرر الوالي مخاطبة وزارة العدل، ووزارة العدل شكلت لجنة تحقيق عدلية بسلطات وكيل نيابة باشرت التحقيق مع المتهمين بعد القبض عليهم بواسطة جهاز الأمن والمخابرات، واعتبرت تحقيقات جهاز الأمن هي البينات الأساسية وكانت اللجنة برئاسة المستشار خالد أنس وينوب عنه المستشار ياسر أحمد. وكما هو معلوم فإن اللجنة قد خلصت إلى التعامل مع القضية وفقاً لقانون الثراء الحرام والمشبوه، وأعلنت على الملأ قرارها بتاريخ السبت 24 أبريل المنصرم وتلخصت إفادة اللجنة في استحالة إثبات التزوير والتزوير المقصود هنا هو تزوير توقيع الوالي حيث لم يتأكد ذلك بعد، ولكن هنالك شكاً في تزوير توقيع مدير المكتب، وكذلك عدم وجود اعتداء على المال العام الذي بعهدتهما بمكتب الوالي. بدا والي الخرطوم غاضباً من العاملين موضع الاتهام في مكتبه ووصف تصرفهما بمثابة طعنة له وقال بالحرف الواحد «دي ما المحرية في ناس قعدوهم في حته زي دي»، وقال أيضاً ليست هناك أية صلة قرابة بين الوالي والمتهمين لا الأول ولا الثاني.. ولم يشهد الوالي حفل زفاف المتهم الثاني الذي أقامه بنادي الشرطة أو أنه يملك داراً بكافوري أو غيرها وإنما شقة في إحدى العمارات وملكيته لهذه الشقة من الإشارات التي حسبت عليه إبتداءً. وتحدث الوالي في تنويره «والذي أحاول نقل فقرات منه للقارئ الكريم حتى يشترك معي في التنوير»، أن جملة المبالغ التي وجهت التهم فيها هي ما ذكرته وزارة العدل برئاسة المستشار خالد أنس وهي إجمالي المبالغ التي يظن أنهم تحصلوا عليها بطريق غير مشروع ولا صحة لمبالغ تصل إلى أربعمائة أو ستمائة مليون أو غيرها. ومما ذكره الوالي في التنوير أن قراراً قد صدر بإيقاف بيع الأراضي الاستثمارية مؤقتاً أدت إلى وضع ضوابط جديدة لا تسمح بتكرار ما حدث وتضبط الممارسة، فضلاً عن إظهار الشفافية في مثل هذه المعاملات. وبرر الوالي عدم حديثه في الموضوع في وقت مبكر من بروز القضية في وسائل الإعلام بأنه لم يكن يود التأثير على العدالة وترك التحقيقات مع المتهمين تجري مجراها، وعاتب والي الخرطوم الصحافة على تناولها القضية ومن مصادر غير موثوقة واستنادها إلى معلومات مغلوطة في بعض المواقع الإسفيرية التي عرفت بعدم الدقة في نشر الأخبار والبحث عن الإثارة وتضخيم المعلومات. وإن كان لدي تعليق على هذا التنوير من جانب والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر فإن ما تميز به التنوير أنه قد أظهر كثيراً من الحقائق التي لم تكن معلومة للرأي العام، ومنها علاقة الوالي بأحد المتهمين على الأقل، وأن الوالي لم يكن يريد للقضية أن تذهب إلى المحكمة، وأن القضية كشفت عنها الصحف إبتداءً وهذا كله غير صحيح أو دقيق كما بين التنوير، ومما أدركته في هذا التنوير أن الموضوع قد أخذ أكثر من حجمه بصدوره في منشيتات عريضة في الصفحات الأولى فلو كان هذا الاتهام موجهاً للوالي وليس لعاملين في مكتبه كيف تكون المعالجة من ناحية مهنية إنطلاقاً من كون الأشياء تقدر بقدرها.. الملاحظة الأخيرة أن الغياب المتطاول للحريات الصحفية وحالة الرقابة الأمنية على الصحف جعل الصحافة تتوسع في تناول الموضوع وكأنها تختبر مدى صدقية الحكومة وجهاز الأمن في التمسك بقرار رئيس الجمهورية القاضي برفع الرقابة عن الصحف. والملاحظة الأخيرة أن الصحافة قد حاكمت المتهمين محاكمة إعلامية أمام الرأي العام وأرجو من المحكمة وقف النشر في هذا الموضوع حتى لا يؤثر في سير العدالة مع توفير المعلومات حول القضية بواسطة المحكمة نفسها عندما تنعقد.