٭ كان أفراد الأسرة حتى لحظات ما قبل النوم من قبل شهر مضى في غاية السرور والفرحة والسعادة وهم يداعبون طفلاً صغيراً لم يبلغ الشهر السادس من عمره سموه «مصطفى» تتخاطفه الأيادي بين الأم والخالة والعمة والحبوبة... وترفرف قلوبهم من داخل أقفاصها فرحاً بضحكته وطلته الحلوة البريئة التي تميزها علامات سنون اللبن. ٭ هذه الأسرة حتى لحظة أن خلدوا للنوم كان الطفل مصطفى يخلد لنوم هو الآخر في أحضان والدته وبين أسِرَّة خالاته بذات الغرفة التي تضمهم جميعاً. ٭ لم يعلموا حينها أن القدر يخبئ لهم المؤلم المحزن.. وبعد ساعات قليلة خلدت الأسرة للنوم طويلاً... وفي الخارج يستلقي الجد والحبوبة على سريريهما... إلى أن يسمعا صوت الآذان فيقوم الجد بإيقاظ الحبوبة ليجهزا لصلاة الفجر.. وعند خروجهما حدث الذي حدث. ٭ عندما عادا بعد أن أديا صلاة الفجر وجدا باب غرفة بناتهما موصداً بحبل من الخارج فلم يكن إلا الظن الحسن هو السائد في كل الأمر. ٭ ولم يفطنا إلى أين يكون الطفل غير أنه في حضن أمه كالعادة... ولكن حين استيقظت البنات كانت حالتهن سيئة وعلى غير العادة، والبحث عن الطفل الذي لم يجدوه لا هنا ولا هناك داخل أسوار المنزل. ٭ وعرفوا أن الطفل قد اختطف وأنه خارج المنزل في أيدي مجرمين لا يخافون الله أبداً. ٭ انقلب المنزل رأساً على عقب بحثاً وبكاءً وعويلاً وندماً وحسرة على ساعات النوم التي جعلتهم يفقدون «فلذة كبدهم». ٭ وحين بدأت الشمس ترسل أشعتها الذهبية الصباحية بدأ الخبر يصبح حقيقة.. إنهم فقدوا طفلهم بعد أن تم تخديرهم وإغلاق باب الغرفة عليهم من الخارج. ٭ وعلم الجيران بالخبر وعمَّ القرى والحضر... وبدأت أيادي البحث تذهب هنا وهناك.. والخيال يروح بعيداً ثم يعود... وبالبحث يجدون قصاصة ورقية تحمل أرقاماً لهواتف أربعة... تقول القصاصة إنهم اختطفوا الطفل وإنه في أيادٍ أمينة.. ولكي يعود عليهم الاتصال على ذات الأرقام. ٭ وتبدأ كل الأصابع هنا وهناك محاولةً فك طلسم هذه الأرقام وسماع الصوت، تعبث في «كيبوردات» أجهزتهم ولكن دون جدوى، فالهواتف جميعها مغلقة إلى أن جاء الليل يسدل ستاره على ضوء النهار. ٭ والأم في حالة يُرثى لها... وأسئلة كثيرة تدور برأسها.. ضنك وشدة في حال مشاعر الأسرة.. وتضيق الدنيا بأفرادها وتصبح كالذين يأمرونهم للعبور عبر «خرم إبرة» حتى ينالوا شربة ماء... هكذا تصور لهم الحال حينها. ٭ الأم يا ترى هل قتلوه... رموه للكلاب الضالة... تركوه فمات جوعاً... ذبحوه وباعوا أعضاءه... وبين هذه الأسئلة المتزاحمة ينتابها إحساس غريب بالصراخ والعويل والجن والجنون وتكاد تفقد عقلها لولا إيمانها... وفجأة يهديها تفكيرها لتعبث بأصابعها على هاتفها محاولة إعادة الاتصال بذات الرقم.. ليحالفها الحظ في سماع صوت الخاطف لفلذة كبدها فتصرخ فيه: كيف مصطفى وحاله... ما ذنبي أنا؟.. فيرد عليها الصوت في الطرف الآخر «هذا قدرك».. عاوزين تسعين ألفاً من الجنيهات لإعادته.. أرجوك لا تتصلي مرة أخرى دعي رجلاً يخاطبنا في المرة الثانية.. لكن الخط يذهب بلا عودة.. وقبل ذلك تسأله في توسل ورجاء... هل اهتممتم بطفلي... يقول لها: مصطفى بخير.. أحضرنا له لبناً من الصيدلية وامرأة لإرضاعه... ثم يغلق الهاتف نهائياً. ٭ ويخيم الحزن على المنزل.. والبكاء والحسرة هو الحالة السائدة على كل أفراد الأسرة رجالاً ونساءً.. لفقدهم مصطفى الذي لم يكن معروفاً أين ذهب... هل هو حي أم ميت؟! «نواصل»