من المهم ونحن نأخذ استراحة محاربين قليلة ونسل رأس القلم من محبرة قضايا الفساد السوداء اللون وريثما ترتفع سحائب الرقابة القبلية المرتدة والتي بانت مخالبها الخفية، من المهم العودة إلى مناقشة قضايا الحوار الوطني المجمدة وقضية المفاوضات الجارية بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قطاع الشمال، باعتبار أن القضيتين هما الركن الركين للأزمة السودانية في تجلياتها الراهنة، فقد حملت الأنباء المتضاربة وجود تفاهمات بين الطرفين حول إمكانية العودة الى اتفاق «نافع عقار» الموءود، وقال ياسر عرمان الأمين العام للحركة الشعبية: «إن وفد المؤتمر الوطني وافق مرة اخرى على اتفاق 28 يونيو 2011م، بعد ان رفضه لمدة ثلاث سنوات حدث فيها ما حدث من تصعيد للحرب، والعودة الى اتفاق 28 يونيو جعلتنا نتفق على مقدمة الاتفاق الاطاري وعلى مرجعيات اللجنة السياسية ولجنة الترتيبات الأمنية كما وردت في اتفاق 28 يونيو»، بيد ان عرمان عاد وقال: «لم نتفق على مرجعيات الشأن الانساني ووقف العدائيات ومتطلبات الحوار القومي الدستوري، واذا ما تم الاتفاق في الجولة القادمة عليها نكون قد توصلنا لاتفاق اطاري على اساسه يبدأ التفاوض الحقيقي»، ولعل الفقرة الاخيرة من تصريحات عرمان هي بيت القصيد الذي نحن بصدد مناقشته. أولاً من المهم أن نقول للمتفاوضين جميعاً مبروك على التقدم المحرز والرجوع الى اتفاق 2011م الموءود، فالرجوع الى الحق فضيلة، اما بخصوص ما لم يتم الاتفاق عليه من القضايا العالقة فهي عقدة أوديب التي أطالت أمد الحرب والمأساة الإنسانية في مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق، ومن المهم حث الطرفين للتوصل بأعجل ما يتيسر لاتفاق ينهي المأساة الإنسانية، ويسمح بتدفق المعونات الغذائية والدوائية الى المدنيين المتضررين من النزاعات المسلحة في تلك البقاع، وبما أن المعونات الانسانية متوقفة بسبب الحرب فإن التوصل العاجل الى اتفاق وقف العدائيات سيمكن منظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية من العمل السريع لإغاثة المتضررين من المدنيين، خاصة أن اطراف النزاع لا تملك الإمكانات المادية واللوجستية التي تسمح بتوزيع المعونات الانسانية للضحايا المدنيين. أما بخصوص متطلبات الحوار الوطني المطروح للنقاش من جانب الحكومة عبر مبادرة رئاسة الجمهورية، فقد بين الفرقاء السودانيون وممثلو القوى السياسية المشاركة في اللقاء التشاوري والمائدة المستديرة موقفهم الواضح منه، وقالوا كلمتهم فيه بحيث تطابقت وجهات نظر المعارضة بالداخل مع المعارضة بالخارج وحملة السلاح، واصبح لا مفر من تقديم الحكومة لتنازل مبكر في هذا الخصوص وقبول طلب الأغلبية الوطنية بجعل المفاوضات الجارية بين المؤتمر الوطني وقطاع الشمال منبراً لمناقشة كل مشكلات وازمات السودان، بحيث تجيء الخلاصات وبمشاركة جميع الاطراف كما هي مطلوبة وتقدم حلاً جذرياً لمشكلة البلد وليس حلاً ثنائياً يمهر بواسطة طرفين مثلما حدث في نيفاشا، فيما تظل الازمة قائمة تنتظر التفجر المسلح. إن الصورة واضحة وضوح الشمس، فهنالك رغبة من الحكومة في ادارة حوار جاد مع المعارضين، وقد جاءت هذه الرغبة بعد أن تأكد للعقلاء من الحاكمين انسداد الطريق أمام حكم الحزب الواحد والقبضة الواحدة واقتراب موعد الاستحقاقات الوطنية.. وبالمقابل هنالك تقبل من مختلف القوى السياسية لفكرة الحوار رغم وجود الشكوك حول مدى جدية الطرف الحكومي، ويضاف الى هذا القبول توصل رعاة مفاوضات أديس الى معقولية الطرح الداعي الى البحث عن حلول جذرية متكاملة للأزمة السودانية، وهو ما يتطابق مع الرغبة من رئاسة الجمهورية التي اشرنا اليها، وبالتالي كل الظروف والمعطيات تشير الى وجوب الأخذ بزمام المبادرة والاسراع بتكوين آلية وطنية لوضع تصور للحل الامثل والمطلوب من قبل الجميع، والتصورات والمقترحات أصلاً موجودة ولا تتطلب كثير عناء، وانما وضع النقاط فوق الحروف، فهل عسير على من بيده زمام المبادرة التعجيل بالخروج بالبلاد من عنق الزجاجة؟